قصص من التراث ...أشهر ضحايا الجمال في التاريخ العربي (فيديو)

أحد, 03/01/2020 - 14:48

محمد سالم - كان الجمال ولا يزال مما تهفو له النفوس وتطمئن له الأبصار، غير أنه كان سببا في مآس أو ظروف غير اختيارية لبعض الذين من الله عليهم بقسط وافر من الجمال

وتحتفظ كتب التراث العربي بقصة رجلين دفعا ثمن جمال الصورة ووسامة المظهر الذي من الله به عليهما وهما نصر بن حجاج المدني والمقنع الكندي

 

ابن يسار ..غربة الجمال

شغف  نساء المدينة المنورة في عهد عمر بن الخطاب بنصر بن يسار ذاك الشاب المدني الذي أوتي قسطا وفرا من الجمال،وتذكر كتب الأدب وقصص الروائيين القدماء أن عمر بن الخطاب رضي الله سمع ليلة وهو يعس في سكك المدينة شادية من النساء تغني في بيتها وتقول

 

هل من سبيل إلى خمر فأشربها

أم من سبيل إلى نصر بن حجاج

 

ويضفي صاحب كتاب المستطرف في كل فن مستظرف مشهدا تراجيديا على قصة نفي نصر بن حجاج فيقول "فلما أصبح أتني بنصر ين حجاج فإذا هو من أحسن الناس وجها وأحسنهم شعرا فقال عمر عزيمة من أمير المؤمنين لنأخذن من شعرك فأخذ من شعره فخرج من عنده وله وجنتان كأنهما شقتا قمر فقال له اعتم فاعتم فافتتن الناس بعينيه فقال له عمر والله لا تساكنني في بلدة أنا فيها فقال يا أمير المؤمنين ما ذنبي ؟ قال هو ما أقول لك ثم سيره إلى البصرة وخشيت المرأة التي سمع منها عمر ما سمع أن يبدر من عمر إليها شيء فدست إليه المرأة أبياتا وهي

( قل للإمام الذي تخشى بوادره ... مالي وللخمر أو نصر بن حجاج )

( لا تجعل الظن حقا أن تبينه ... إن السبيل سبيل الخائف الراجي )

( إن الهوى زم بالتقوى فتحبسه ... حتى يقر بإلجام وإسراج ) قال فبكى عمر رضي الله تعالى عنه وقال الحمد لله الذي زم الهوى بالتقوى

 

وبعد أن طالت إقامة نصر بن حجاج في البصرة ممنوعا من سجن

لعمري لئن سيرتني أو حرمتني ... وما نلت من عرضي عليك حرام

فأصبحت منفيا على غير ريبة ... وقد كان لي بالمكتين مقام

لئن غنت الذلفاء يوما بمنية ... وبعض أماني النساء غرام

ظننت بي الظن الذي ليس بعده ... بقاء ومالي جرمة فألام

فيمنعني مما تقول تكرمي ... وآباء صدق سالفون كرام

ويمنعها مما تقول صلاتها ... وحال لها في قومها وصيام

فهاتان حالانا فهل أنت راجعي ... فقد جب مني كاهل وسنام

 

لم يستجب عمر بن الخطاب رضي الله عنه لمطالب نصر بن حجاج بناء على تقدير للمصلحة العامة للمسلمين من خلال إبعاد" مصدر الفتنة" عن المدينة المنورة.

وبعد استشهاد عمر بن الخطاب رضي الله عنه سنة 12 للهجرة ركب وسيم الحجاز راحلته وعاد إلى المدينة المنورة، وهنا يقف تتبع المصادر التاريخية لقصة هذا الرجل ولا يوجد شيئ يذكر عما بعد ذلك.

 

 

 

المقنع الكندي ..جمال تحت اللثام

 

لم يكن نصر بن حجاج الضحية الوحيدة للجمال لكنه، فقد دفع الشاعر والفارس العربي الشهير محمد بن ظفر بن عمير الكندي الشهير بالمقنع الكندي ثمن وسامته، وعاش حياته مخفيا وجهه تحت اللثام خوفا من العين والحسد الذي جلب له الأمراض كما تقول بعض المصادر التراثية التي كتبت عن الشاعر المذكور، ومنها قول أبي الفرج الأصبهاني في كتابه الأغاني " إنّه كان أجمل الناس وجها، وكان إذا سفر اللثام عن وجهه أصابته العين، فيمرض ويجلس طريح الفراش لا يغادره مدة من الزمن؛ ولهذا كان يغطي وجهه دائما بقناع خوفا وحيطة"

والمقنع الكندي من شعراء المئة الأولى من الهجرة، وكان معاصرا لعبد الملك بن مروان ثاني أمراء الدولة الأموية الثانية في المشرق.

 

وقد عرف الكندي بقيمه الشريفة وسعيه إلى مكارم الأخلاق وأنه كان فارسا مغوارا وكان كريما جودا متلافا، ومن قصائده المشهورة قصيدة يرد بها على قومه عندما عابوا عليه كثرة استدانته وتحمله للأعباء والحمالات

يُعاتِبُني في الدينِ قَومي وَإِنَّما              دُيونيَ في أَشياءَ تُكسِبُهُم حَمدا

أَلَم يَرَ قَومي كَيفَ أوسِرَ مَرَّة              وَأُعسِرُ حَتّى تَبلُغَ العُسرَةُ الجَهدا

فَما زادَني الإِقتارُ مِنهُم تَقَرُّباً               وَلا زادَني فَضلُ الغِنى مِنهُم بُعدا

أسُدُّ بِهِ ما قَد أَخَلّوا وَضَيَّعوا        ثُغورَ حُقوقٍ ما أَطاقوا لَها سَدّا

وَفي جَفنَةٍ ما يُغلَق البابُ دونها            مُكلَّلةٍ لَحماً مُدَفِّقةٍ ثَردا

وَفي فَرَسٍ نَهدٍ عَتيقٍ جَعَلتُهُ         حِجاباً لِبَيتي ثُمَّ أَخدَمتُه عَبدا

وَإِن الَّذي بَيني وَبَين بَني أَبي              وَبَينَ بَني عَمّي لَمُختَلِفُ جِدّا

أَراهُم إِلى نَصري بِطاءً وَإِن هُم          دَعَوني إِلى نَصرٍ أَتيتُهُم شَدّا

فَإِن يَأكُلوا لَحمي وَفَرتُ لحومَهُم          وَإِن يَهدِموا مَجدي بنيتُ لَهُم مَجدا

وَإِن ضَيَّعوا غيبي حَفظتُ غيوبَهُم                وَإِن هُم هَوَوا غَييِّ هَوَيتُ لَهُم رُشدا

وَلَيسوا إِلى نَصري سِراعاً وَإِن هُمُ              دَعوني إِلى نَصيرٍ أَتَيتُهُم شَدّا

وَإِن زَجَروا طَيراً بِنَحسٍ تَمرُّ بي         زَجَرتُ لَهُم طَيراً تَمُرُّ بِهِم سَعدا

وَإِن هَبطوا غوراً لِأَمرٍ يَسؤني            طَلَعتُ لَهُم ما يَسُرُّهُمُ نَجدا

فَإِن قَدحوا لي نارَ زندٍ يَشينُني             قَدَحتُ لَهُم في نار مكرُمةٍ زَندا

وَإِن بادَهوني بِالعَداوَةِ لَم أَكُن              أَبادُهُم إِلّا بِما يَنعَت الرُشدا

وَإِن قَطَعوا مِنّي الأَواصِر ضَلَّةً           وَصَلتُ لَهُم مُنّي المَحَبَّةِ وَالوُدّ

وَلا أَحمِلُ الحِقدَ القَديمَ عَلَيهِم               وَلَيسَ كَريمُ القَومِ مَن يَحمِلُ الحِقد

فَذلِكَ دَأبي في الحَياةِ وَدَأبُهُم        سَجيسَ اللَيالي أَو يُزيرونَني اللَحدا

لَهُم جُلُّ مالي إِن تَتابَعَ لي غَنّى            وَإِن قَلَّ مالي لَم أُكَلِّفهُم رِفدا

وَإِنّي لَعَبدُ الضَيفِ ما دامَ نازِلاً            وَما شيمَةٌ لي غَيرُها تُشبهُ العَبدا

 

 

وغير بعيد أن يكون "للجمال والوسامة" ضحايا آخرون دفعوا هذه النعمة التي يوسع الله بها على من يشاء من عباده ويقدر على آخرين فيها، غير أن نصر بن حجاج والمقنع الكندي يبقيان أشهر ضحايا الوسامة