الفنان السوري فريد حسن يكتب: أيامي الأولى في موريتانيا ح1

اثنين, 05/10/2021 - 18:01

في مساء الثاني والعشرين من آذار 1977م كانت قد حطت الطائرة التي اقلتنا من مطار كازابلانكا الى نواكشوط قادمين من دمشق!
كان يرافقني في رحلتي زميل فلسطيني مقيم في سوريا التقيته في الحافلة التي اقلتنا الى مطار دمشق الدولي وترافقنا في فندق كازابلانكا – ثم في مطار نواكشوط – ثم الى فندق النواب في نواكشوط حيث كان مقر اقامتنا –
اليوم هو الثالث والعشرون من آذار ذهبنا الى الوزارة - والى مدرسة تكوين المعلمين حيث سيكون فيها عملنا وكنا في قيلولة ذلك اليوم نشرب الشاي الاحمر بعد الغداء –
شاب في اوائل الاربعينات يرتدي لباس نصارى كما كان يقال , يضع نظارة طبية على عينيه , وفي فمه غليون قلّ ان يخرجه من فمه – مر عابرا من أمام الغرفة التي كنا نحتسي فيها الشاي – سلم علينا بلهجة قريبة جدا من السورية – تابع حديثه سائلا من وين الشباب
أجبناه من سورية – دعوناه لمشاركتنا شرب الشاي - وكأنه كان ينتظر دعوتنا له فجلس – وعرفت فيما بعد لماذا فعل ؟ لا لشيء إلا لأنه انسان يحب الناس – جلس وبدأت قصتي معه بل بدأت كل القصة ؟
انه الراضي البيضاوي الذي غادر والده موريتانيا الى الاردن ليعمل مستشارا للملك حسين – أما ابنه الراضي فقد حن لموريتانيا فعاد اليها في بداية الاستقلال ليعمل موظفا في وزارة الخارجية ؟
لم أر في حياتي انسانا بذكائه وسرعة بديهته – شكونا له من هموم أثقلت كاهلنا بعد ان عرفنا طبيعة الرواتب وارتفاع الاسعار مقارنة براتبنا الذي كان خمسا وثلاثين الف أوقية فقط نقبضها من موريتانيا دون ان يكون لنا راتب في سورية ؟
بدأ يحدثنا عن طبيعة الشعب الموريتاني واستطاع خلال جلسة الشاي تلك أن يشدني انا على الاقل الى التعلق بهذه الطبيعة مما جعلني أقول له أريد منك ان تعرفني على هذا الشعب – ومن خلال الحديث الذي تفرع فشمل جوانب الحياة حتى وصل الى الفن – حيث أخبرته بأني ملحن في اذاعة حلب ولي فيها عشر الحان – فقال لي لماذا لا تقدم لهذا البلد الناشىء من خبراتك الفنية فقلت له: أنا جاهز لكنني لم أحضر معي عودي لان البعض خوفني من أنهم يمكن ان يكسروا العود في المطار ( لأنك في الجمهورية الاسلامية الموريتانية ) – وما كان منه رحمه الله إلا أن اصطحبني الى بيت المرحوم سيمالي ولد همد فال وأحضرنا العود من عنده بعد ان قدم لنا وجبة غداء شهية من ( مارو الحوت ) اللذيذ الذي كانت هي المرة الاولى التي اتناوله فيها وإلى لقاء في الحلقة القادمة بإن الله !