ماذا تعرف عن "ابن التلاميد" أول أستاذ للغة العربية في الأزهر؟

أربعاء, 06/09/2021 - 10:35
محمد محمود بن التلاميد الشنقيطي

كأن عاصفة علمية هبت من صحراء شنقيط وبواديها، وهو أول أستاذ للغة العربية في الأزهر الشريف، وفي مقدمة الذين عملوا لإحياء أمهات تراث اللغة العربية، إنه محمد محمود بن التلاميد الشنقيطي.
وعرّفت حلقة (2021/6/8) من برنامج "تأملات" بقناة الجزيرة بالشنقيطي الذي قال عنه تلميذه أحمد حسن الزيات إنه "آية من آيات الله في حفظ اللغة، والحديث، والشعر، والأخبار، والأمثال، والأنساب، لا يند عن ذهنه من كل أولئك نص، ولا سند، ولا رواية".

وعُرف بابن التلاميد لأنه سليل أسرة كانت مثابة لتلاميد العلوم، وبذلك يفخر:

غَذاني بدَرِّ العِلْمِ أرْأَفُ والدٍ              وأرْحمُ أمٍّ، لمْ تُبِتْنيِ على غَمِّ

ولمْ يَفْطمَانِي عنْه حتى رَويْتُه           عن الأبِ، ثمَّ الأخِ، والخالِ، والعَمِّ

وغيْرهما من كلِّ حَبْرٍ سمَيْدَعٍ           تَقِيٍّ، نَقِيٍّ، لا عَيِيٍّ، ولا فدْمِ

وبعد تنشئته العلمية الأسرية، تضلَّعَ من اللغة العربية في مراهقته على يد جدُود بن اكتَوَشْنيِ العلوي الشنقيطي بمنطقة القبلة.

وأجازه في الحديث الشريف العالم المختار بن الأعمش الجكني بـ"تندوف" (جنوبي الجزائر)، خلال رحلته إلى الحج، التي انطلقت سنة 1280هـ، وكان وصوله إلى مكة سنة 1283هـ، حيث أدى فريضة الحج، وصار يتردد بين مكة والمدينة.

وحاز تقدير أمير مكة الشريف عبد الله بن محمد المعروف بمحبته لأهل العلم وتكريمهم.

وامتدَّ إشعاعه إلى الأستانة، فاستدعاه السلطان عبد الحميد الثاني، وأكرمه وعرف قدره واختاره سنة 1304هـ لأعظم سفارة للبحث عن الكتب العربية في إسبانيا، فأحسَّ البدوي الشنقيطي بالوحشة والغربة، حين كان ضيف شرف على أمهات عواصم أوروبا؛ لندن، وباريس، ومدريد، فقال:

ما ليْلُ "صُولٍ"، ولا ليْل التّمَام معًا      كليْلِ باريسَ، أوْ ليْلِي بأنْدَلُسِ

ومع ذلك قام بالمهمة فألف كتاب "أشهر الكتب العربية بمكتبات إسبانيا".

وفي عام 1306هـ بعث ملك السويد والنرويج أسكار الثاني إلى السلطان عبد الحميد يطلب منه أن يبعث إليه بوفد من أبناء العرب يسألهم عن القرآن واللغة وأشعار العرب، للمشاركة في المؤتمر الثامن للعلوم الشرقية بستوكهولم، وأن يكون الوفد برئاسة محمد محمود بن التلاميد، وكلف سفير السويد بالإشراف على متطلبات الرحلة.

وعاد ابن التلاميد إلى القاهرة سنة 1307هـ، فنزل عند نقيب الأشراف محمد توفيق البكري الذي أكرمه، وتعرف إلى الشيخ محمد عبده، وكان الأزهر -حسب الزيات- قد درج طويلا على إغفال اللغة والأدب من مناهجه حتى أدخلها الأستاذ الإمام محمد عبده في الدراسة الحرة، وجعل دراسة اللغة للشيخ الشنقيطي.

وهنا تتلمذ عليه طه حسين، وأحمد حسن الزيات، وكتبا عنه منبهرين؛ الأول في كتابه "الأيام"، والثاني في "وحي الرسالة"، وكتب عنه محمد رشيد رضا، كما ترجم له باعتزاز تلميذه العلامة أحمد تيمور باشا، كما قرظه عبد الجواد الأصمعي الذي جمع تصحيحاته لكتاب "الأغاني"، وبالتفرد شهد له إسماعيل حافظ صاحب مطبعة الموسوعات بالقاهرة، وحتى سفير السويد بمصر الذي كان مستشرقا اعترف بأنه "كان رجلا عربيا قحا من صميم العرب لغة وعادة ومنشأ ومسكنا". وقد أخذ عنه أفذاذ من نُخب الحجاز، وسوريا، ولبنان، ومصر.

وفي عام 1904م، وبعد تكلفه لتشييع جثمان صديقه الحميم محمود سامي البارودي، مات الشيخ الشنقيطي، شهيد الكتب، و"قتيل المُخَصَّصِ"، كما كان يقول في حياته، بعدما أوهن جهازه التنفسي سوء جو البيت الذي كان يعتكف فيه على تصحيح مخطوطات التراث العربي، تاركا خلفه حصادا وفيرا من المؤلفات، جاء بعضها وليد مناظراته اللغوية الحادة، مع عاكش اليمني، ومرافعاته حول صرف "عمر"، و"ثعل"، إضافة إلى تصحيح أمهات القواميس، والدواوين، والكتب الأدبية، وفي ذلك يقول راثيا نفسه:

تذكَّرْتُ مَنْ يبْكِي عليَّ، فلم أجِـدْ           سِوى كُتُبٍ، تُخْتَانُ، بَعْدِيَّ، أو عِلْمِــي

"مُخَصَّصُهَا" المَطْبُوعُ يشْهدُ مُفْصِحًـا     بحِفْظِيَ، عنْدَ الحذْف، والبتْر، والخَــرْمِ

و "قامُوسُها" المشْهورُ يشْهدُ بالضّحى     بذاكَ، وفي بِيضِ الليالي، وفِي الدُّهْــمِ

كما تناول برنامج "تأملات" أيضا فقرات عديدة، منها: فصيح العامة، وتأملات لغوية، وقصة مثَل "القول ما قالت حذام"، وأخطاء شائعة.