المرتضى محمد أشفاغ يكتب: حدث قلم قال

خميس, 05/05/2022 - 18:35

المنشور وجبة متعددة العناصر، والقراء كالأكلة حول القصعة، يمجُّ بعضهم ما يستطيبه البعض، ويسْتَحْلي الآخر ما يُمرِض غيرَه؛ هناك من يُقْبِل على"صوص" كضيف نَهِمٍ يستثيره طعم التوابل والمشهيات، فيشبع قبل أن يذوق الوجبة الحقيقية، ثم ما يلبث أن يصيبه "المحور" وتمرضه الحموضة فيلعن الطعام وصانعه، ومنهم من يُقبل على الأكل بنهم شديد فيبتلع بلا مضغ، يزدرد الفراسن والكلى، فتعتمل في معدته حركات معامل التصفية فينتفخ بطنه ويصاب بالغثيان وكلما شم رائحة الطعام تأفف وقاء.....
وهناك فئة تحتاط لنفسها وتأكل الوجبة بتوازن وحيطة فتنعم بفوائدها...

في رحلة غير محضرة سلفا
وجد صاحبنا نفسه محاصرا بين سوح تحترق بالجدب الفكري، وسراديب تتلوث بأنفاس الفضوليين، أقلام عرجاء تحاول دخول المارتون، وأفكار موقوذة ليس للذئب فيها حاجة، والحر شديد، والغبار يصفع خد السماء، ويعفر وجه الأرض، كل شيء مقزز الريح..الرائحة...الأرواح..الراحات..
وحده الحظ الأعمى يسوق إلى بحيرة صافية بين الأجاديب، تتوارى بين ركام وحطام وزكام..... مرة يتذكر أنه بلا زاد وتخيفه الأهوال والمفاجآت، وأحيانا ينسى راحلته ويسير حافي القدمين، يحلم أنه في واد ذي زرع وزهر وعبق، فيتيه ويهيم بروضة اغتسلت حروفها بزخات مطر تخلفت عن زحف النوء إلى أهدافه القصية، حبات ماء باردة يرشق بها صحن السماء المنتشي بولادة طبيعية لغيماته الحبلى بالأماني والأغاني، يجده مرة طفلا شقيا لا ينتظر أن يهدأ قصف الرعود، وتخفت الصواعق ويذوب البرق بين أشعة الشمس المتسللة من بقايا الرذاذ... وقد استيقظت المشاعر النائمة ودب الحنين والشوق في ذاكرة الأرض....

هذه الأجناس المبعثرة التي لا تنتمي إلى وطن أدبي واحد يختلف القراء في مقاصدها...
أحبَّ أن تكون كاشفة جدا..عقيدته الكتابية علمته أن يُعْدم الكون حين يكتب...فلا يبقى غير القلم والخواطر، وهو أول الميتين....لا يملك قطيعا من الكلمات في زريبة يتخير منها السمينة للذبح ...حين تحاصره الكلمات في غزوة خلق يقبل من ترد عليه في سحرها الطبيعي دون دهان ولا مسوح... ستتحرر الحروف من معاناة الكبت ....وتتدفق الكلمات دون الحاجة إلى نتر آذانها لتسير في طريق تكفر به .. قد يقسو وقد يكشف المستور ويسترخص المحظور..
المستور جراح تغطيها ستائر ناعمة براقة، لكنها تتعفن وتصبح قاتلة إذا لم تُنَقَّ بالقسوة الراحمة...