الانقلابات العسكرية في غرب إفريقيا.. كيف تُشعل فتيل الإرهاب؟

أربعاء, 12/07/2022 - 07:48
بقلم: روضة علي عبد الغفار - صحفية متخصصة في الشأن الإفريقي

يقول المثل السنغالي: "مَن يُثِرْ عُشّ الدبابير، عليه أن يُجيد الركض"، وعلى الأراضي السمراء ثارت الدول الإفريقية وانقلبت في محاولاتٍ للتغيير المأمول، لكنَّ أعشاش الدبابير كانت تترصَّد لها، ولم يُسْعِفها الركض..

 

في الفترة الماضية عاشت منطقة غرب إفريقيا فترة مضطربة، تموج بين الانقلابات العسكرية وانتشار الجماعات المسلحة، فضلًا عن الصراع القائم بين أوروبا وروسيا في منطقة الساحل؛ مما فاقم من أزمات المنطقة.

 

لكن تظل ظاهرة الانقلابات العسكرية هي أكثر ما يُسبِّب زعزعة الأمن والاستقرار، وتؤدي بدورها إلى استفحال ظاهرة الإرهاب.. في هذا التحقيق نضع الانقلابات العسكرية في غرب القارة تحت المجهر، وكيف تؤثر الانقلابات على تنامي ظاهرة الإرهاب وانتشار الجماعات المسلحة؟ وهل للصراع الروسي الفرنسي يد في هذه الانقلابات؟ هذا وأكثر تتناوله "قراءات إفريقية" في هذا التحقيق..

 

مثلث الدمار:

تقف ثلاثية الفساد والإرهاب والفقر في قلب معادلات الحكم في غرب القارة الإفريقية، والتي تعرضت بعض دولها إلى انقلابات عسكرية متكررة في فترات زمنية متقاربة، كان آخرها دولة بوركينا فاسو التي شهدت انقلابًا في نهاية سبتمبر الماضي، الذي أطاح بالزعيم العسكري سانداوغو داميبا، ليكون هذا ثاني انقلاب يقع في بوركينا فاسو بعد انقلاب يناير هذا العام.

 

وقد تنامت ظاهرة استيلاء للجيش على السلطة في غرب إفريقيا خلال ما يقرب من عامين؛ حيث أطاحت مجموعة من ضباط الجيش في دولة مالي بقيادة أسيمي جويتا بالرئيس إبراهيم بوبكر كيتا في أغسطس 2020م، ثم تلاه انقلاب ثاني في مايو 2021م، أطاح بالرئيس المؤقت الكولونيل باه نداو، ليتولى القائد جويتا منصب الرئيس.

 

وفي دولة غينيا أطاح قائد القوات الخاصة الكولونيل مامادي دومبويا بالرئيس ألفا كوندي في سبتمبر 2021م، وقبل ذلك بعام غيَّر كوندي الدستور للالتفاف على القيود التي كانت ستمنعه ​​من الترشح لولاية ثالثة، مما أثار أعمال شَغَب واسعة النطاق.

 

وهو ما يثير تساؤلات عن كثرة الانقلابات العسكرية في غرب القارة، وعن دورها في تفاقم أزمة الإرهاب وزعزعة الأمن والاستقرار.

يقول الأكاديمي والكاتب النيجيري المتخصص في الشأن الإفريقي، د. حكيم نجم الدين: "إن الانقلابات العسكرية تكثر في غرب إفريقيا لعوامل داخلية وخارجية، على رأسها هشاشة الحكومات المدنية الإفريقية، ومِن ثَمَّ عدم الرضا الشعبي عن الحكومة، وهذا ما تَستغله المؤسسات العسكرية للإطاحة بالحكومة المدنية أو الحكومة القائمة".

 

وأضاف "أنَّ الديمقراطية لم تأتِ بنتائج حقيقية في حياة المواطنين في غرب إفريقيا، وأن الانقلابات غالبًا ما تحدث بسبب الاستياء الجماهيري، لكن رغم ذلك فإن الأوضاع لا تتغير بعد الانقلاب، بل في معظم الأحيان يسوء الوضع أكثر".

 

وأوضح "نجم الدين" لـ "قراءات إفريقية" أن الانقلاب الأخير في بوركينا فاسو كان بسبب غضب الضباط الشباب الذين يواجهون الحركات الارهابية في شمال البلاد، بسبب تساهل الزعيم العسكري داميبا، وهو ما أدَّى الى قيام الانقلاب عليه.

 

ويعتقد "نجم الدين" أن هناك رابطًا وثيقًا بين الانقلاب والإرهاب، فالعوامل الأساسية لقيام الانقلاب هو عجز الحكومة وعدم الوفاء باستحقاقات المواطنين المحبطين؛ خاصة الشباب العاطلين عن العمل والمتطلعين إلى مستقبل مختلف عن جيل الطبقة السياسية الحاكمة، في معظم دول غرب إفريقيا.

 

كما تتدخل المؤسسة العسكرية بالانقلاب بدعوى تراخي الحكومة في مواجهة الارهاب؛ لكي تحارب المسلحين وتُصلح ما فشلت به الحكومة السابقة، وكذلك تتدخل القوى الدولية بمزاعم مواجهة الإرهاب.

 

كما أكد الأكاديمي النيجيري أن انعدام الأمن والتنافس الدولي، تُعدّ من العوامل الرئيسية في حدوث الانقلاب، مثل التنافس بين روسيا وفرنسا ودوره في انقلاب مالي، وأوضح قائلًا: في الانقلاب الأول تمت الاطاحة بالرئيس أبو بكر كيتا بسبب سوء الأوضاع وتفشي الإرهاب، لكن نجد أن الانقلاب الثاني كان بسبب التنافس الدولي بين روسيا وفرنسا في المنطقة، وبالتالي لا يمكن وقوع الانقلاب إذا لم يحدث انفلات أمني كما هو منتشر في دول الساحل حاليًا.

 

ويعتقد "نجم الدين" أنه لا يمكن فصل الارهاب عن الانقلابات التي حدثت في العامين الماضيين في غرب إفريقيا، فالضباط الذين يقومون بالانقلاب يقومون بذلك بدعوى مواجهة الإرهاب، والأطراف الدولية تتدخل بدعوى مساعدة الحكومة في مواجهة الإرهابيين، حتى وإن كان وراء هذا التدخل مصلحة أخرى مثل السيطرة على موارد الدولة.

 

روسيا وفرنسا.. والأيادي الخَفيّة!

تُعد منطقة الساحل الإفريقي، ذات النفوذ التاريخي لفرنسا، هي الميدان الأكثر سخونة في القارة الآن؛ فـروسيا أخرجت فرنسا من إفريقيا الوسطى منذ عام 2017م ومن مالي عام 2021م، وربما قريبا من بوركينا فاسو التي تم الاعتداء على السفارة الفرنسية فيها والإطاحة بالعقيد سانداوغو المتهم بالولاء لفرنسا، وكذلك في النيجر وتشاد التي شهدت تظاهرات تطالب بخروج فرنسا.

 

ويبدو أن عودة روسيا إلى إفريقيا مدفوعة بطموح كبير، يشجّعها الترحيب الذي وجدته؛ لتحتل موقعًا متقدمًا في التحالف مع الدول الإفريقية، ويعززها رغبة الأفارقة في التسليح، والخوف من الفراغ الكبير الذي بدا واضحًا بعد التراجع الغربي في عدة مناطق.

يقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة حسيبة بن بوعلي بالجزائر، د. عربي بومدين: إن مسألة الانقلابات العسكرية في إفريقيا مرتبطة بدور العامل الخارجي وإدارة الصراع الدولي في منطقة غرب إفريقيا، فضلًا عن الأسباب المُتعلّقة بالامتيازات العسكرية، فعندما تخاف النُّخَب العسكرية على امتيازاتها المهنية ومصالحها تقوم بالانقلاب.

 

وأوضح "بومدين" أن الانقلابات العسكرية التي حدثت في غرب إفريقيا، في مالي وبوركينافاسو وغينيا بيساو، كانت بدعم روسي ضد النفوذ الفرنسي في المنطقة؛ حيث إن فئة الضباط ذوي الرتب المتوسطة لهم عداء أيديولوجي مع الوجود الفرنسي في دولهم، ويرون أن فرنسا هي سبب تأخرهم، فينقلبون على السلطة السياسية في بلادهم؛ لأنها موالية للطرف الفرنسي.

 

وأردف أن المستفيد الأكبر من هذه الانقلابات هي القوى الكبرى، ومؤخرًا في منطقة غرب إفريقيا نجد المستفيد هو روسيا؛ حيث تحاول الاستثمار في علاقاتها مع النخبة العسكرية التي تدربت في الأكاديميات الروسية لبيع السلاح الروسي، ومزاحمة الدور الفرنسي التقليدي، ووجود قوات فاغنر دليل على تمدد الدور الروسي في المنطقة.

 

وأشار "بومدين" في حديثه لـ"قراءات إفريقية" إلى أن دور العامل الخارجي في إفريقيا هو دور داعم للديكتاتوريات العسكرية، ومهدِّد للاستقرار السياسي، على خلاف دوره في مناطق أخرى؛ مثل دعم التحول الديمقراطي في دول أوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية.

 

وأضاف أن نشاط الجماعات الارهابية في إفريقيا، وبالتحديد في منطقة الساحل الإفريقي، مرتبطة بشكل وثيق بدور العامل الخارجي؛ حيث الهدف الأساسي هو خَلْق حالة عدم استقرار أمني لتبرير التدخل والاستفادة من موارد هذه الدول.

 

وبحسب "بومدين" فإن القوى الدولية تتورط في دعم هذه الجماعات المسلحة، كما هو الحال مع القاعدة في المغرب الإسلامي ونشاطاتها في منطقة الساحل، أو بوكو حرام في نيجيريا، ومثال ذلك ما وجدناه من تزايد النشاط الارهابي في منطقة الساحل بعد التدخل العسكري الفرنسي في مالي بعد العام 2013م.

 

وأكد أستاذ العلوم السياسية أن النشاط الإرهابي هو عمل وظيفي في هذه المنطقة، وما الصراع الروسي الفرنسي إلا سبب آخر لتفاقمه؛ حيث تقوم الجماعات المسلحة بعمل وظيفي لهذه القوى لإدارة الصراع والتنافس الجيوسياسي في منطقة غرب إفريقيا.

 

وجهان لعملة واحدة:

شهدت القارة الإفريقية خلال عام 2021م ارتفاعًا ملحوظًا في عدد العمليات الإرهابية مقارنة بالعام الذي سبقه؛ حيث بلغ عدد العمليات 735 عملية تنوعت ما بين هجمات إرهابية وعمليات انتحارية واغتيالات، وخاصة منطقة غرب إفريقيا، التي تعاني من عدم الاستقرار الأمني المرتبط بكثرة الانقلابات العسكرية.

 

وفي ظل غياب الاستقرار الأمني، واستمرار الصراعات السياسية، والتوترات الإقليمية، واهتراء كثير من المناطق الحدودية بين البلدان المختلفة؛ أصبحت المنطقة مهيَّأة لاستقبال المزيد من عناصر الجماعات الإرهابية كبيئة حاضنة، فضلاً عن توافر الموارد الطبيعية التي تَمنح هذه الجماعات قدرة أكبر على الاستمرار والتمدد، وفي غرب القارة يزداد الأمر تعقيدًا عن شرقها لوجود جماعة "بوكو حرام"، الحركة التي تعد أشد فتكًا ودمويةً في القارة الإفريقية.

 

وهكذا يظهر الارتباط المباشر بين تنامي الإرهاب في غرب إفريقيا وعدم الرضا الشعبي، الذي يُعدّ المدخل الرئيسي لكثير من الانقلابات التي تمتطي حالات السخط تلك، إلى جانب الفشل في مواجهة مخاطر الإرهاب القائمة، وفي النهاية يستمر هذا المشهد الذي يصنع مزيدًا من عدم الاستقرار الأمني، وهو ما يُقوّي شوكة الإرهاب ويخلق مساحات أوسع للتدخلات الغربية.

يرى الكاتب والباحث السياسي، عبد المنعم منيب، أن الجماعات المسلحة والانقلابات العسكرية في غرب إفريقيا وجهان لعملة واحدة، ونتيجة لفشل الدولة من حيث تدني مؤشراتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وفشل الأنظمة الحاكمة التي حكمت بعد خروج الاستعمار حتى الآن، في التنمية والنهوض بالدولة.

 

وبالتالي تكون هناك فرصة لظهور الجماعات المسلحة، وحدوث الانقلابات العسكرية من الضباط المغامرين الذين يبغون الوصول للحكم، أو مدفوعين بقوى أجنبية، لكي يُحقّقوا رغبتهم في السيطرة على الحكم، وتحقيق أهداف القوى الدولية التي تحركهم.

 

وعن المستفيد الأول من انتشار ونشاط هذه الجماعات المسلحة، أكد "منيب" لـ "قراءات إفريقية" أن المستفيد الأول هي القوى الأجنبية ذات الميول الاستعمارية، على رأسها روسيا وفرنسا؛ حيث تستغل نشاط الجماعات المسلحة كذريعة للتدخل في شؤون الدول بدعوى مكافحة الإرهاب، بينما يتكبَّد الأفارقة خسائر فادحة.

 

وأردف "منيب" أن المستفيد الثاني من نشاط وانتشار الجماعات المسلحة هي جماعات الجريمة المنظَّمة، حيث يُضْعِف الإرهاب سلطة الدولة، ولا يُنشئ سلطة بديلة، فيساهم في انتشار الفوضى، مما يعطي مساحة واسعة لنشاط الجريمة المنظَّمة مثل تجارة البشر أو السلاح أو الذهب، وغيرها.

 

وقال الباحث السياسي: إن الجماعات المسلحة نفسها غير مستفيدة من الأعمال الإرهابية؛ حيث يتم تصفيتها في النهاية، فهذه الجماعات لا تَفرض واقعًا مستمرًّا، ولا تقدم بديلًا عن الدولة القائمة، ولا تُنشئ دولة جديدة لها مقوماتها لكي تُفيد الشعب؛ لأنها لا تملك سوى القتال.

 

 وعن مستقبل الإرهاب في المنطقة، يعتقد "منيب" أن ظاهرة الارهاب في غرب القارة لها أسباب موضوعية: سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية ودينية، وطالما وُجدت هذه الأسباب وُجدت الحركات الإرهابية، ومتى انعدمت هذه الأسباب انعدمت الحركات الإرهابية.

 

وأوضح أن هناك مظالم ومشكلات اجتماعية وثقافية ودينية يجب حلها، قائلًا: حتى لو تم تصفية الجماعة المسلحة من كل أعضائها بالقتل أو الاعتقال، سينشأ غيرها لحضور نفس الأسباب والدوافع.

 

وبحسب "منيب" فإن الاشكالية تكمن في معالجة ظاهرة الإرهاب معالجة أمنية فقط، وليس معالجة سياسية واقتصادية واجتماعية، ورغم ذلك فإن المعالجة الأمنية غير شاملة؛ لأن الدول ضعيفة، ومنهوبة الموارد من الشركات الأوروبية والأمريكية، ويرى "منيب" أن المستقبل سيستمر في هذا التردي طالما لم تُحَلّ المشكلات من جذورها.

 

وختامًا.. تبقى منطقة غرب إفريقيا ممزَّقة بين الإرهاب والانقلاب، ومشتَّتة بين الصراعات الدولية، وسط محاولات للتغيير والثورة من الشباب الإفريقي، الذي ما انفكَّ عن الحُلْم بمستقبل أفضل لبلاده الغنية المنهوبة، فهل نشهد مزيدًا من الاضطرابات في إفريقيا الغربية؟ أم للمستقبل رأي آخر؟