أمادي رئيسا لتواصل ..هل دخل الإسلاميون مرحلة "ولاية الفقيه"

سبت, 12/31/2022 - 11:36
لحظة الإعلان عن فوز الرئيس الجديد لحزب "تواصل"

تحليل-  أعلن قبل أسبوع عن اختيار الفقيه حمادي ولد سيدي المختار رئيسا لحزب تواصل خلفا لابن مدينته الدكتور محمد محمود ولد سيدي الذي رفض الترشح لولاية ثانية على رأس حزب الإسلاميين، ليخرج من الحزب الذي انتخب لرئاسته مرغما بضغوط من شخصيات متعددة رأت فيه رجل  الإنقاذ يومها، فيما يرى قريبون من حزب تواصل إن ما جرى لم يكن أكثر من انقلاب داخلي ضد الدكتور محمد محمود ولد سيدي، حيث يعتبر رحيل سياسي قبل إكمال مأموريتن غالبا إجراء عقابيا لإخفاقه في الأداء، أو تمردا سياسيا من طرف حزبي يرى أنه الأولى بقيادة المرحلة، مما يعني في نظر هؤلاء أن سحب ولد سيدي لترشحه للرئاسة لم يكن إلا تفاديا للتصويت العقابي.

ولاية الفقيه...ابن المحظرة في قيادة الحزب

ينتمي حمادي ولد سيدي المختار إلى التيار العلمي في حزب تواصل، وهي صفة يشترك فيها مع الرئيس السابق، كما يجمعهما الانتماء لمقاطعة كيفة،  زيادة على أستاذيتهما في المعهد العالي، مما يجعله فقيها في خلافة فقيه آخر.

درس أمادي معارف الشريعة الإسلامية في محظرة والده وبين أخواله آل سيدي يحيى واعتبر طيلة سنوات أحد أبرز فقهاء مجموعته القبلية وأحد أهم الشخصيات الدعوية في ولاية لعصابة، كما كان أيضا صوتا مركزيا لدى الإسلاميين في ولاية لعصابة حيث ترأس فرع جمعية الحكمة التي أغلقت سنة 2003

وقد تفرغ امادي لمحظرته في قرية القرد بمقاطعة كيفة، قبل أن تختطفه السياسة نظرا لحاجة تواصل إلى " وجه مقبول" في ولاية لعصابة بعد الرحيل المفاجئ للسيد محمد يسلم ولد سيدي محمد فيدرالي الإصلاحيين.

أحال امادي محظرته إلى ابن خالته الدكتور لارباس بن محمد محمود الذي اعتكف عليها عدة سنوات قبل أن يتخطفه الموت قبل أقل من سنة وهو في نضارة الشباب، لتفقد تلك المحظرة العريقة كثيرا من ألقها

ورغم وجوده في عمق السياسية نائبا وفيدراليا للحزب إلا أنه ظل جزء أساسيا من المشهد الدعوي للإسلاميين محاضرا وفقيها ومفتيا، كما كان حضوره البرلماني باهتا، فمداخلاته معدودة "ووقورة جدا" مقارنة ببعض زملائه  من النواب التواصليين"

وعلى عكس أغلب قادة تواصل، فإن أمادي ظل إلى فترة قريبا مجهولا للرأي العام بسبب غيابه عن وسائط التواصل الاجتماعي وغيابه أيضا عن إبداء أي رأي تجاه المواقف والإشكالات التي تثير الخلاف بين قادة تواصل سواء تعلق الأمر بالموقف من السلطة أو إشكالات الوحدة الوطنية.

ورغم ذلك يصر قادة تواصل على أن أمادي مصدر رأي فقهي وسياسي نوعي في أدائهم الحزبي، وأن "ولاية الفقيه" ذات طعم وأداء خاص بالنسبة للتواصليين، الذين يرغمون رؤسائهم على السير وفق مراد الجماهير

رئيس آخر للتهدئة

يستلم أمادي ولد سيدي المختار من سلفه محمد محمود ولد سيدي كرسيا هزازا، صبر على أشواكه الفقيه البوصادي خمس سنوات، ثم قفز من عليه مصرا على عدم العودة.

جاء ولد سيدي إلى رئاسة الحزب من قبة البرلمان رئيسا للضرورة، مكلفا بالخروج من الأزمة السياسية وصراع القيادات الذي أنشب أظافره في جسد تواصل خلال السنوات الأخيرة من المأمورية الأخيرة لجميل ولد منصور.

لكن لهب الخلافات سرعان ما اشتعل أيضا في فترة ولد سيدي الذي رفض أن يكون رئيسا شكليا مما أثار حالة من الصدام بينه وسلفه ولد منصور وبعض قيادات الحزب.

ووفق منتقدي وصول أمادي إلى رئاسة الحزب فإن انتخابه لم يكن أكثر من تمرير قرار من تيار قوي ومؤثر داخل تواصل، ينشط فيه عدد من الشخصيات العلمية والدعوية المحافظة والمصرة على إبقاء "البصمة الإخوانية" ظاهرة على الحزب ورئاسته، مع شيئ من التقارب أو التهدئة مع النظام، ويعتبر أصحاب هذا الرأي أن التيار العلمي والدعوي بانتخاب حمادي يكون قد أحكم القبضة على القرار السياسي لحزب الإخوان

فيما يرى آخرون أن اختياره لرئاسىة الحزب ليس أكثر من إعادة ظرفية لتجربة ولد سيدي، الذي جاء به الإسلاميون إلى رئاسة الحزب لإخماد لهب التباين والخلافات السياسية بين القادة وأنصارهم، قبل أن تشتعل في فترته بؤر خلاف أخرى ويفقد الحزب أنصارا وجماعات من أحلافه التقليدية

تحديات وفرص أمام الرئيس الفقيه

يواجه أمادي تحديات متعددة، من أبرزها:

أ- تحدي إعادة الانسجام إلى الحزب: الذي فقد كثيرا من الصورة المثالية التي حاولت قياداته خلال السنوات المنصرمة تقديمه بها، وإن كان ما زال متقدما في الممارسة الديمقراطية الحزبية على مختلف الأحزاب السياسية في البلد، وسيكون أمام ولد حمادي تحدي فرض رؤيته السياسية، وإبراز بصمة إدارته السياسية لحزب يجمع كثيرا من المتناقضات، فهل ينجح أمادي في إعادة الثقة بين قيادات الحزب، وعدم الانضواء ضمن لوبي سياسي يقصي بقية الأطراف.

ب - تحدي الانتخابات القادمة: وهو تحد مزودج على مستوى اختيار لوائح المرشحين، وعلى تعبئة الناخبين خصوصا أن مكاسب الحزب الانتخابية تراجعت خلال الانتخابات النيابية والبرلمانية الماضية، رغم ارتفاع أسقف المصوتين له.

وتأخذ هذه الانتخابات خصوصية في ظل تشتت قوى المعارضة، وخروج أطراف وازنة من تواصل باتجاه الأغلبية، إضافة إلى فقدان الحزب لمصادر تمويلية مهمة، بعد هجرة رجال أعماله ومجموعاتهم القبلية باتجاه النظام

ج - تحدي الموقف السياسي: يجزم كثير من المقربين من الرئيس الجديد لتواصل بأنه يملك أكثر من قناة اتصال مع نظام الرئيس الغزواني وأنه أكثر اقتناعا بالتقارب مع النظام من سلفه، الذي سد قنوات الاتصال بينه ومع النظام، وتحولت العلاقة بينه وبين النظام ومحيطه السياسي والاجتماعي الضيق إلى "أزمة شخصية"، وضمن هذه العلاقة الجديدة التي يملكها امادي، وبين موقف تواصل في المعارضة، يبقى السؤال مطروحا هل سيعيد الرجل مياه الوصال إلى القنوات المفتوحة بينه وبين النظام، أم أنه سيشتط كسلفه في المعارضة مع نظام يرفض لحد الآن تحديد ساحة وموضوع للصراع مع خصومه السياسيين.

وبين هذه التحديات المختلفة يقول أنصار أمادي إنه سيكون رجل المرحلة وربان سفينة الإقلاع التواصلي، أما منتقدو وصوله إلى الرئاسة، فيؤكدون أنه سيجد فرصة ذهبية لتكوين سياسي متعدد لم يتح له خلال مأموريته البرلمانيتين وما قبلهما من عمره السياسي والدعوي.