يتذرعون بضعف الأمن.. هل تتخلى المجالس العسكرية في إفريقيا عن الانتخابات؟

جمعة, 11/17/2023 - 04:10

انضمّت بوركينا فاسو إلى دول عدة، بينها مالي وتشاد أساساً، أرجأت الاستحقاقات الانتخابية التي تعهّدت السلطات العسكرية بإجرائها عقب استيلائها على السلطة، متذرّعةً بأن الأولويّة الرئيسية هي الأمن، وهو ما يمهّد السبيل أمام إطالة أمد المراحل الانتقالية.

 

فُتحت صفحات جديدة من عدم اليقين في دول وسط إفريقيا وغربها، بعدما وضع الجيش يده على السلطة في كل من مالي وبوركينا فاسو والنيجر وتشاد والغابون.

 

وتعثّرت حتى الآن الفترات الانتقالية التي حدّدتها السلطات العسكرية الحاكمة لاستعادة المسار الدستوري في أكثر من بلد، إذ أعلنت المجالس العسكرية في هذه الدول الإفريقية تأجيل الانتخابات.

 

وانضمّت بوركينا فاسو إلى دول عدة، بينها مالي وتشاد أساساً، أرجأت الاستحقاقات الانتخابية التي تعهّدت السلطات العسكرية بإجرائها عقب استيلائها على السلطة، متذرّعةً بأن الأولويّة الرئيسية هي الأمن، وهو ما يمهّد السبيل أمام إطالة أمد المراحل الانتقالية.

 

الذرائع لا تعكس الحقيقة

يُرجّح الأكاديمي المختص بالشأن الأمني، إسماعيل حمودي، أن "يستمرّ استغلال الأوضاع الأمنيّة المهترئة في منطقة الساحل والصحراء بغرض تمديد المراحل الانتقالية المعلنة، خصوصاً في مالي وبوركينافاسو والنيجر".

 

ويوضح حمودي أن "الذرائع المعلنة قد لا تعكس الحقيقة وراء قرار تأجيل الانتخابات وتمديد المرحلة الانتقالية، خصوصاً أن الإرهاب وتدهور الوضع الأمني في منطقة الساحل والصحراء لم يمنع دول تلك المنطقة من تنظيم انتخابات رئاسية وتشريعيّة طيلة العقد الماضي على الأقل".

 

ويضيف أنه "في مالي نُظمت انتخابات في عامي 2013 و2018 فاز فيها آنذاك الرئيس المخلوع أبو بكر كيتا، رغم أن البلاد كانت تعاني ضغوط الجماعات الإرهابية والمتطرفة التي سيطرت على مساحات شاسعة عام 2012".

 

لذا، يرى حمودي أن "الخروج من الانقلابات وتسليم السلطة لحكومة مدنية يظلان رهناً لضغوط داخلية وخارجية تؤدي إلى تآكل شرعية السلطات العسكرية، وتفرض عليها التنازل وتسليم السلطة للمدنيين. لكن الملاحَظ أن هناك التفافاً وطنياً داخلياً حول السلطات العسكرية الحاكمة حتى الآن".

 

هل تساند الشعوب المجالس العسكرية؟

في السياق ذاته، يؤكد الكاتب والباحث السياسي إبراهيم زين كونجي، أن "شعوب هذه الدول الإفريقية لا يهمها حالياً المسمّيات مثل تداول السلطة والانتخابات، بل تهتم بما يقدمه إليها الحاكم من العدالة الاجتماعية، والإدارة الرشيدة، وفرص العمل، والتخفيف من وطأة الفقر".

 

ويرى كونجي أن "شعوب بلدان وسط إفريقيا وغربها، التي شهدت انقلابات على السلطة المدنية، ليست بحاجة إلى انتخابات؛ لأن الجميع يعلم أن هناك تلاعباً بالانتخابات وتزويراً".

 

ويرى الباحث أن "معظم الرؤساء الذين يأتون عن طريق الصناديق في هذه البلدان لم يخترهم المواطنون، وإنما جاؤوا نتيجة التلاعب بصناديق الانتخابات".

 

ويلفت إلى أن "الوعود التي ينتظرها الأفارقة؛ هي تحرير بلدانهم من الهيمنة الفرنسية، واستغلالها الفاحش ونهبها ثروات هذه البلدان. أما ورقة الأمن والانتخابات وحقوق الإنسان والتداول السلمي للسلطة والمسار الديمقراطي والدستوري، فهي أسلحة فرنسية تستخدمها مسمَّيات لاستدامة السيطرة".

 

ويتوقع الباحث السياسي التشادي، أن "تطول الفترة الانتقالية في الدول المتحررة من الاستغلال الفرنسي"، أي مالي وبوركينا فاسو وغينيا والنيجر.

 

الدستور ضحية الانقلابات

وتشتدّ المخاوف من تحوّل "الفترات الاستثنائية" إلى وضع دائم في هذه البلدان، خصوصاً أن ثمة من يرى أن الانقلاب العسكري يكاد يكون وسيلة طبيعيّة تُتداول السلطة عبرها في هذه البلدان، وبشكل خاص مع "تعطيل" ضمني للدستور القائم.

 

ويرى المستشار في الشؤون الإستراتيجية والسياسية، هشام معتضد، أن "الانقلابيين يؤمنون فقط بالفكر العسكري والأيديولوجيا الأمنية في التدبير، إذ إنه في كثير من المحطات الانقلابية الناجحة يجري إرساء فترات انتقالية تمتد لسنوات من دون مرجعية دستورية أو تمرين مؤسساتي يحترم أبجديات التدبير السياسي للدولة".

 

لذلك، هذا "التوجّه العسكري الأمني يسعى لضبط كل شيء بالقوة والسلطة والسلاح، بوصفها آليات يتقنون ممارستها، في حين أنه في الفكر السياسي والثقافة الدستورية والتنظيم المدني المعاصر لا يمكن أن تكون تلك الآليات العسكرية مصدراً لمشروعية الحكم والإخضاع مهما كانت التبريرات"، كما يضيف معتضد.

 

ويلفت إلى أن "الثابت هو التمثيلية الانتخابية ولو من خلال مجالس ظرفية أو هيئات مؤقتة للتشاور السياسي، ما يعني أن كثرة التبريرات من أجل البحث عن القوة في تدبير الشأن العام، ولو على حساب السياق، تعد محاولات للالتفاف على البنية الطبيعية للتدبير السياسي للدولة".

 

تمديد الفترة الانتقالية

بخصوص المخاوف حول استئثار المجالس العسكرية الحاكمة بالسلطة، يرى الباحث في الشؤون الإفريقية محمد تورشين، أنه "لا شك في أن المجموعات الانقلابية في الدول التي حدثت فيها موجة انقلابات من 2020 حتى يومنا هذا لن تسلم السلطة وستكون هناك فترة انتقالية طويلة المدى".

 

ويضيف أن "هؤلاء الحكام العسكريين سيعملون على هندسة المشهد السياسي للعودة إلى السلطة عن طريق الانتخابات، أو محاولة تمديد الفترة الانتقالية بأن يستمدوا شرعيّتهم من الأوضاع الأمنيّة المضطربة كما يحدث في منطقة الساحل الإفريقي، خصوصاً في النيجر وبوركينا فاسو وتشاد".

 

ويعبّر الباحث عن هذا المسار قائلاً: "أنا من المتخوفين من إطالة الفترة الانتقالية في تلك البلدان، بما يهدّد تقويض تجربة التداول السلمي على السلطة والديمقراطية بشكل عام".

 

ويشدّد تورشين على أنه "لا بد من معالجة التحديات التي تعرفها البلدان الإفريقية التي شهدت الانقلابات العسكرية بشكل جاد، وإلّا لا يمكن إجراء هذه الانتخابات بشكل فاعل، وبشكل يسمح بمشاركة كبيرة للكتلة الناخبة".

 

أمثلة ناجحة لتسوية النزاعات

تُسارع تكتلات إفريقية الزمن لإعادة الأمور إلى نصابها في البلدان الإفريقية التي شهدت انقلابات عسكرية.

 

وتحاول انتزاع تعهدات حقيقية من المجالس الانتقالية الحاكمة من دون التمكّن من تحقيق أهدافها رغم لغة "التهديدات" على غرار خطوات المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إكواس) تجاه النيجر على سبيل المثال.

 

وتعاظَم النفوذ السياسي للمجموعة منذ عام 1993 حين تبنت قانوناً يمنحها صلاحية التدخل العسكري لحل الأزمات والصراعات.

 

وتدخلت (إكواس) بشكل مباشر في تسوية نزاعات عدّة في جميع أنحاء المنطقة، من قبيل ليبيريا وسيراليون وغينيا بيساو.

 

ولهذا تلعب اليوم دوراً رئيسياً في التذكير بإلزامية العودة إلى النظام الدستوري في البلدان التي شهدت انقلابات.

 

كما أن منطقة غرب إفريقيا لا تُقدم الأمثلة على شيوع الاضطرابات والانقلابات العسكرية المُتكررة فقط ، بل أيضاً أمثلة على أن إطلاق مسار دستوري انتقالي هو أحد مسارات تسوية النزاعات الداخلية، والتحول نحو أنظمة دستورية أكثر استقراراً.

 

وتعد جمهورية بنين نموذجاً ناجحاً لهذا المسار، من خلال "الندوة الوطنية للقوى الحية" عام 1991، التي نقلت البلاد من حكم الديكتاتورية إلى نظام ديمقراطي.