مكاسب موريتانيا من اتفاق التصدي للهجرة غير الشرعية ...معلومات ومغالطات

اثنين, 02/26/2024 - 21:55

افتتاحية- وجدت قوى سياسية موريتانية في قضية الاتفاق المبرم بين موريتانيا وإسبانيا ومفوضية الاتحاد الأوربي فرصة للمزايدة السياسية، متخذة من هذه الورقة بالذات فرصة مهمة للنيل من النظام، وتقديم مغالطات كبيرة إلى الشعب الموريتاني.

ورغم أنه لا يتوقع  أن تدافع المعارضة عن خيارات ومواقف النظام، إلا أن الالتزام السياسي ودعوى المسؤولية يفترض الحد الأدنى من المصداقية، والبعد عن تضليل الجماهير، خصوصا أن هذا التضليل لا يضر السلطة وحدها – إذا ضرها- بقدر ما ينسف مصداقية القوى التي تمتهن الترويج للمغالطات، أو تقع ضحيتها كالعادة.

ولأهمية هذا الاتفاق ولحجم المغالطات التي واكبته، فإن من الضروري الاطلاع على المعطيات التالية:

الاتفاق نتيجة ضغط موريتاني: جاء الاتفاق نتيجة ضغط موريتاني على القوى الأوربية، وذلك بعد تقييم لما تستفيد موريتانيا من عائدات ومصالح مقابل ما تواجهه من تدفق في أعداد المهاجرين العابرين للأمواج، وكذا اللاجئين القادمين من مالي والذين زاد عددهم عن 200 ألف شخص.

وقد تعامل الطرف الموريتاني مع الأوربيين بصراحة واضحة، حيث اعتبر أن أي تخل من المنتظم الدولي عن رعاية اللاجئين الأزواديين، وعن دعم بيئة التنمية في المحيط الجغرافي الأكثر عرضة للجوء الأزواديين، وقد كان السياق الذي جاءت فيه المبادرة الموريتانية قائما على:

محاولة الأوربيين للتقليل من أدوراهم الطبيعية في عون اللاجئين الماليين المقيمين في الحوض الشرقي، وفي هذا الإطار كانت ممثلية الاتحاد الأوربي في موريتانيا قد أعلنت تعطيلها لخدمة النقل الجوي

سعي الأوربيين لقصر تدخلاتهم المستقبلية في منطقة مخيم امبرة وضواحيها على اللاجئين وحرمان المحيط الموريتاني من أي مهام تنموية أخرى.

ونظرا لوضعية اللاجئين الذين ينتمي أغلبهم إلى نفس القوميات المشكلة لموريتانيا، ونظرا لوضعهم الإنساني، فإن موريتانيا قررت رفض المواقف الأوربية والغربية الجديدة، والضغط من أجل إقامة إطار تفاوضي يفضي إلى تحقيق مطالبها

سلاح الشواطئ والمهاجرين

وأمام هذا المسعى الذي يستبطن دفعا بالتأزيم وزيادة مصاعب موريتانيا، كانت نواكشوط على مستوى عال من الصراحة والتصميم، حيث تم إبلاغ الأوربيين بأن موريتانيا لن تقوم بأي دور في التصدي للمهاجرين غير الشرعيين ولن تحول بين زوارق الأفارقة المحملة بالمئات من الساعين إلى " الحلم الأوربي"

ولتأكيد هذا المسعى وصلت جزر الكناري لوحدها خلال شهر  يناير أكثر من 7200 مهاجر غير شرعي من بينهم 83% قادمون من الشواطئ الموريتانية

وخلال نهاية السنة المنصرمة وبداية العام الحالي، شهدت هجرة العمال الأفارقة المقيمين في موريتانيا تزايدا ملحوظا، حيث غادر كثير منهم أوراش العمل التي كان يعمل فيها.

تنمية الشرق ..ودعم قدرات الجيش والأمن

بعد فترة من المفاوضات الشاقة، وصل المسار إلى مراحل نهائية، وبدلا من انتقال وفد موريتانيا إلى بروكسل لنقاش التفاوض مع الأوربيين، اتفق الطرفان على أن تؤدي رئيسة مفوضية الاتحاد الأوربي، والوزير الأول الإسباني، ومسؤول ملف الهجرة في الاتحاد الأوربي

وبعد لقاء وتشاور مع الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني وكبار مسؤولية، تقرر الإعلان عن خلاصات الاتفاق وتضمنت استفادة موريتانيا مما قيمته 510 مليون أورو أي ما يزيد على 200 مليار أوقية قديمة، وذلك على مدى ثلاث سنوات من تاريخ الاتفاق.

 

وتتضمن الإعلان المشترك المرشح للتوقيع بين الطرفين

منحة سنوية لصالح الجيش والأمن بقيمة 40 مليون أورو وهو ما يناهز 16 مليار أوقية قديمة، وذلك لتعزيز قدرات الأمن والتصدي للأخطار المتعلقة بالإرهاب.

منحة بقيمة 210 مليون أورو لخدمات التنمية، ومن بينها تخصيص 40 مليون أورو لصالح تنمية الحوض الشرقي، وتنميته ضمن مشاريع أخرى متعددة تستهدف تطوير جاذبية الاقتصاد والخدمات في هذه الولاية التي تستضيف أكبر عدد مستقر من اللاجئين.

إقامة مشاريع تنموية متعددة، من بينها خط عال للكهرباء يمتد على مسافة 1400 كلم

تشييد طريق جديد بمواصفات أوربية بين العاصمة نواكشوط ونواذيبو

دعم إسباني لموريتانيا من خلال مشاريع متعددة بقيمة 300 مليون أورو

أبرز المغالطات

توطين اللاجئين: عكس ما تم التوصل إليه بين الطرفين فإن الحقائق لا علاقة لها بتوطين اللاجئين ولا إقامة وطن بديل نهائي، وبعكس ذلك فإن الاتفاق يعزز سيادة موريتانيا وقدرة أمنها وجيشها على حماية الحدود والتصدي للهجرة غير الشرعية.

وخلافا لما أشيع فإن موريتانيا التي تعمل على إغلاق سجلها البيومتري بإحصاء جميع مواطنيها لم يعد بإمكان أي شخص الحصول على رقم وطني إلا وفق مسطرة طويلة وفردية

إقامة ملاجئ للمهاجرين: لا يوجد أي بند في الإعلان المشترك بين الطرفين، بشأن إقامة أي ملاجئ أو معتقلات للاجئين، وستكون  الاستفادة الموجهة للاجئين خاصة بمنطقة مخيم امبرة وما حولها، حيث يعتبر هذا المخيم الأضخم من نوعه في العالم هما أمميا ولا تريد موريتانيا أن يتنصل العالم من مسؤوليته تجاه هؤلاء الأبرياء الفارين إليها من لهب الحرب.

مكاسب موريتانيا

حققت موريتانيا من الاتفاق المرتقب- مثل دول أخرى كالمغرب وتونس وتركيا- مكاسب استراتيجية مهمة من أبرزها:

استخدام ورقة الهجرة وسلاح الشواطئ للتفاوض بندية تامة.

الحصول على مكاسب اقتصادية متعددة.

تعزيز قدرة الحماية والتصدي لدى المؤسسات العسكرية والأمنية.

إعادة الإجماع الدولي والأممي بشأن أزمة أزواد، وذلك بعد التراخي الذي طبع التعامل الأوربي مع هذا الكم الهائل من اللاجئين الإنسانيين، وهو ما يمكن تفسيره بتراجع الدور الأوربي في مالي، ومحاولة التنصل من المسؤولية تجاه واقع كانوا جزء من صناعة أسبابه المؤلمة.

الحصول على غلاف تمويلي كبير لمشروع تنمية الحوض الشرقي، وهو المشروع الذي انطلق بدعم أوربي، قبل أن يتعثر ذلك الدعم، بسبب جائحة كوفيد وما أعقبها، وهاهو الآن يستعيد نشاطه بمصادر تمويل ومجالات تنموية متعددة