المفكر محمد الأمين سوداغو يكتب: هل هنالك مخاوف من رئاسة بصيرو للسنغال

أربعاء, 03/27/2024 - 20:11

محمد الأمين سوادغو - هل هناك مخاوفٌ في السنغال بعد وُصول الشباب المناهضين للسياسة الغربية لقيادة السنغال؟ وما هي، وهل تثق بشخصية بشير جوماي فاي ؟

***    ***   ***

إقرأ هذه السّطور المهمّة لمعرفة التحديات التي ستواجه قادة الشباب الجدّد في السنغال ...

1- يُطلق على  السنغال مِن بعض النخبة في السنغال ب "فرنسا الصغيرة" في غرب أفريقيا، لكونها دولة مهمة ومحورية لدى فرنسا، وتحت هيمنة فرنسية غربية شبه مطلقة، تمسكت فرنسا مفاصلها منذ عام 1895 إلى اليوم، والرئيس المنتهية ولايته ماكي سال أتى الى السلطة بقرار من السفارة الأمريكية في العاصمة داكار حسب وثائق المسربة من ويكليكس عام 2008.

تحمل بعض شوارع السنغال كغيرها من المستعمرات الفرنسية السابقة في غرب أفريقيا أسماء رموز فرنسية ومؤسسات فرنسية، وأكثر من 17 مدينة سنغالية تربطها اتفاقية "توأمة مدن" مع مدن فرنسية، وهو أعلى رقم على مستوى أفريقيا أو العالم، و"اتفاقية "توأمة مدن" لمن لا يعرفها "هي اتفاقية تعاون بين مدينتين، يوقع عليها عادة صاحب أعلى سلطة في كلا المدينتين. يقوم فريق من كلا المدينتين بإعداد بنود الاتفاقية، ثم احتفال إما في إحدى المدينتين أو في كليهما بالتناوب، يوقع عن كل مدينة عمدتها أو مدير بلديتها أو أمينها وهو منصب يعرف باللغة الإنجليزية Mayor".

انتقد المؤرخ السنغالي السياسي والأكاديمي "إيبا درم تيام" هذه الظاهرة في السنغال قائلا : "إن السنغال لم تشهد نقاشاً قوياً حول مرحلة الاستقلال، كما أن أحد أكبر شوارع العاصمة داكار يحمل اسم قائد فرنسي قتل 20 ألف شخص في غضون 8 أشهر، وحين كنت وزيراً للتربية، حاولت تغيير أسماء جميع المدارس التي تحمل أسماء المستعمرين، إلا أن الأمر الذي تلقيناه لم يكن في هذا الاتجاه، وحين أنظر إلى المجتمع، أرى أنه لا يزال هناك نخبة تريد أن تكون السنغال ولاية تابعة لفرنسا، وهذا وضع مؤلم للغاية". يعني تغيير هذه الاشياء كلها بحاجة الى جهد كبير، وشجاعة أسد، وفكر عميق، وخطوات مدروسة جريئة، وسيكون بطيئا لا شك في ذلك، ويحتاج على الأقل إلى عقدين من الزمن لتغيير بعضها.

2- الرئيس الجديد الشاب بشير جوماي فاي هو الرئيس الخامس للسنغال، وأصغر شاب بنافريقاني  يرأس السنغال منذ استقلالها عام1960، وهو من الطبقة المتوسطة، لم يتم تدريبه في أروقة الجامعات الفرنسية، فهو بحاجة الى وقت لدراسة الملفات قبل الاقدام على اتخاذ القرارات.

 3- سيطرة القوة الخشنة في السنغال (الجيش والشرطة والمخابرات) القريبة إلى فرنسا،  أدرك شباب (باستيف PASTEF) أن قيادتهم للسنغال لن تكون سهلة كما يعتقده البسطاء، وتدرك جلياً أن الدولة العميقة في السنغال تراقب وتدرس الخيارات في التعامل معهم، ولاء الجيش والشرطة والقضاء  للرئيس المخلوع وفرنسا كبير جدا يفوق كل التوقعات والدليل هو مشاركتهم في قمع هؤلاء الشباب وأنصارهم، قتل من أنصارهم ما لا يقل عن 60 شخص واعتقل أكثر من2000 شخص بينهم نساء بنات، وكان الدرك والشرطة شديد عليهم، والجيش كان يتفرج، وسجن جميع قيادات باستيف أكثر من مرة.

4 - شراسة القوة الناعمة في السنغال (الشركات والاستثمارات وبعض رجال الدين(الصوفية) القريبة لفرنسا، فرنسا هي أكبر مُستثمر أجنبي في السنغال بإجمالي استثمارات يبلغ 1.7 بليون يورو، رقم كبير جدا، ومقر رجالات جاك فوكار الجدد هي السنغال، وهناك مئات من الشركات الفرنسية مُتعدّدة الجنسيات العاملة في السنغال مثل بي إن بي باريباس، إرمت، أورانج، نكتورانس وسوسيتيه جنرال، بالإضافة إلى شراء فرنسا شركات المياه والكهرباء وغيرها في السنغال. 

وهناك رجال الدين في السنغال من الطائفية الصوفية لهم علاقة قوية مع فرنسا بواسطة دولة عربية في المنطقة، ولهم قول وتأثير كبير في قيادة السنغال، يخاف منهم الحكام طيلة السنوات الماضية.

هذه القوى الفرنسية الناعمة خطيرة جدا في السنغال، هي إحدى أهم أدوات فرنسا في السنغال، يمكنها توظيفها ضد الشباب في أي وقت،  بل هي "فرنسا الصغيرة" في غرب أفريقيا.

5 - ورقة الانقلاب العسكري المحتمل على طريقة دولة الغابون وغينيا في حالة تصادم مع القيادة السنغالية الجديدة، تدرك فرنسا أن من مصلحتها حاليا في السنغال  مخاطبة ود الشباب الحكام الجدد والتعامل مع الواقع  للحفاظ على مصالحها، ويدرك الشباب بالمقابل أن من مصلحتهم حاليا عدم مواجهة فرنسا مباشرة  خوفا من نموذج الانقلاب في غينيا والغابون، خرج البورفسور ألفا كوندي رئيس غينيا على فرنسا - حسب الفرنسيين - بتوقيع عقود ضخمة مع تركيا وتقديم نصف الميناء الغيني لتركيا التي كانت تحت شركات فرنسية "بولوري" فتم الانقلاب عليه بعد عودته من أنقرة بفترة أقل من شهر، وجاء أحد الضباب القربيين من باريس يحمل جنسية فرنسية وزوجته فرنسية تعمل في الدرك الفرنسي لقيادة غينيا وكذلك الحال في الغابون.

6 - بدأ بعض الشباب في السنغال وأفريقيا في انتقاد الخطاب الأول للرئيس السنغالي الشاب الجديد بشير جوماي فاي بعد فوزه  بسبب برودة التصعيد تجاه الغرب، وخاصة عندما قال (وأناشد إخواننا وأخواتنا الأفارقة أن نعمل معًا على تعزيز المكاسب التي تم تحقيقها في عمليات بناء التكامل في الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا(الايكواس)، مع تصحيح نقاط الضعف وتغيير بعض الأساليب والاستراتيجيات والأولويات السياسية) بينما يرى جميع شباب أفريقيا اليوم أن منظمة الايكواس مجرد جسم فرنسي كرتوني تكرس الاستعمار الجديد، تعمل لتمزيق أفريقيا وتركيعها لفرنسا، ويطالبون بحلها وتفكيكها، ولهذا انسحبت منها بوركينافاسو ومالي والنيجر في يوم الأحد يناير 2024 وفي بيان جماعي، بينما يدعو بشير جوماي فاي إلى إدخال الاصلاحات فيها خطاب بارد  لكنه مرحلي.

والغريب أنّ عثمان سونكو نفسه كتب في حسابه على فسبوك يوم 10 يناير 2022، داعا فيه إلى الانسحاب من منظمة الايكواس واصفا إياها بمنظمة فرنسية، منتقدا عقوباتها على مالي والنيجر وبوركينا فاسو.

لكن المراقبون يطمئنون كثيرا عندما قال بشير جوماي فاي في نفس الخطاب (أود أن أقول للمجتمع الدولي، ولشركائنا الثنائيين والمتعددي الأطراف، إن السنغال ستحتفظ بمكانتها دائما...ستظل دولة صديقة وحليفا آمنا وموثوقا لأي شريك ينخرط معنا في تعاون فاضل ومحترم ومثمر للجانبين).

7 - بدأ الرئيس السنغالي ماكرون بدغدغة مشاعر الرئيس السنغالي الجديد بشير جوماي فاي بتهنئته في حسابه على منصةx بالفرنسية والوُلُوفية قال فيه(هنيئا لبشير جوماي فاي بمناسبة انتخابه رئيسا لجمهورية السنغال. أتمنى له كل التوفيق وأتطلع للعمل معه) وكتب نفس الشيء باللغة الولوفية (Maa ngi ndokeel Bassirou Diomaye Diakhar Faye ci palam njiitu reewum Senegaal.Di ko ñaanal ndam ci sumb bi. Am mbegte lool liggey ak moom). رأى بعض شباب افريقيا وهم مخطئون أن وراء الأكمة ما ورائها، ولا يدركون أن هذا نهج ماكرون في خطاباته على التواصل الاجتماعي، يكتب بالعربية والانجليزية تارة وغيرها من اللغات في مثل هذه المناسبات.

8 - حزب باستيف PASTEF الذي اختار بشير جوماي فاي ليكون مرشحا له بأمر من مؤسسه عثمان سونكو  حزب بناقريقياني معتدل، يدعو إلى تحرير أفريقيا من ربقة الاستعمار، له توجه اسلامي، وليسوا كبعض الشاب البنافريقانيين الذين يدعون إلى محاربة الإسلام في أفريقيا على أنه دين العرب ويروجون للوثنية، عثمان سونكو  وبشير جوماي فاي كانا مقربان من الحركات الطلابية الإسلامية والمقربة من جماعة عباد الرحمن السنية في السنغال، وشاركا في مناسبات كثيرة اسلامية لنصرة  قضايا المسلمين منها القضية الفلسطينية.

9- لن يحدث في هذه المرحلة في السنغال بقيادة بشير جوماي فاي تغييرا كبيرا كما ينتظره شباب السنغال وأفريقيا والسبب يعود إلى ما ذكرت آنفا، سيعملون على تفكيك الهيمنة الفرنسية بالتدرج لاستقلال السنغال، وإضعاف القوى الفرنسية الخشنة والناعمة في السنغال، ولن يتصرفوا مثل العسكريين الثوريين في كل من   بوركينافاسو  ومالي والنيجر  لان ظروف تلك البلدان تختلف تماما عن السنغال.

سوادغو
17 رمضان1445 الهجري
27 مارس2024م
٣:٤٩ م · ٢٧ مارس ٢٠٢٤