الاقتصاد وفرنسا وموريتانيا ..تحديات متعددة أمام رئيس السنغال الجديد (ريم آفريك)

أحد, 03/31/2024 - 15:03

محمد سالم- يستلم الرئيس السنغالي الشاب البشير جوماي فاي بعد أيام قليلة رئاسة بلاد الاستثناء الديمقراطي في إفريقيا، يرافقه في الحكم والسلطة واستشراف المستقبل زميله الذي قطعت طريقه إلى الرئاسة أحكام القضاء السنغالي، مفسحة لبشير الذي لم يكن في وارد الترشح ولا الاسم الأكثر شهرة بين المعارضة السنغالية الساعية للإطاحة بنظام الرئيس المنتهية ولايته السيد ماكي صال.

ومع استلام الرئيس بشير لإدارة حكمه ينتقل من وضع إلى آخر، من معارض ناقم وناقد إلى رئيس يتولى تدبير الشأن العام، وتحويل وعوده السياسية والاقتصادية إلى واقع يراه السنغاليون.

ومن أبرز التحديات التي يواجهها الرئيس الجديد:

-    تشكيل حكومة توافقية وإدارة موقع سونكو منها: تسود في الشارع السياسي السنغالي سخرية متصاعدة من ثنائية القيادة التي يمثلها التوأم السياسي بشير ديوماي فاي وبشير صونكو، وتبدو الحكومة السياسية أقرب الخيارات باعتبار فوز نتيجة لتحالف سياسي واسع ضم أحزابا وحركات سياسية، مما يستبعد خيار حكومة التكنوقراط.

ينضاف إلى ذلك تحدي الوفاء بالتعهد بتقليص صلاحيات رئيس الجمهورية، وتوسيع صلاحيات الوزير الأول والحكومة، ويبدو الوفاء بهذا التعهد محورا التموقع الذي سيناله الزعيم المعارض السابق والمرشح الأبرز للوزارة الأولى في السنغال عثمان صونكو

-    إدارة العلاقة مع الدولة العميقة: ومع قادة ومجموعات الضغط في حزب الرئيس السابق، الذين غرسهم في مفاصل الدولة، إضافة إلى العلاقة مع الحزب الديقمراطي السنغالي برئاسة المرشح الممنوع من السباق الانتخابي كريم واد، والذي كان دعمه للرئيس بشير جوماي عنصرا أساسيا في لوحة نجاحه، خصوصا أنه حزب يملك قوة كبيرة في المشهد الإداري والنخبوي في السنغال

-    تحدي   الانتعاش الاقتصادي وإقامة عملة مستقلة: يعني السير في تنفيذ هذا الوعد الذي قطعه الرجل على نفسه انقلابا اقتصاديا في فرنسا، وبشكل خاص في علاقة السنغال مع فرنسا الضامن والراعي المهيمن على عملة الفرنك الإفريقي الذي تتعامل به السنغال ضمن بعض دول المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا.

وقد ربط الرئيس السنغالي المنتخب إقامة عملة سنغالية مستقلة بعدم اعتماد العملة الإفريقية الموحدة، وتبدو كل الظروف مساعدة على عدم ظهور العملة الموحدة في غرب إفريقيا، حيث أن أغلب دول مجموعة السيداو هي دول منهارة، وليست في وضع يمكنها من اتخاذ قرار اقتصادي سيادي.

وسيكون على الرئيس السنغالي القيام بإجراءات سريعة لكسب ثقة الشارع السنغالي الذي يعاني ارتفاعا غير مسبوق في اسعار المواد الأساسية، وندرة الإنتاج، وارتفاع المديونية التي وصلت إلى 13.5 مليار دولار، ووجود أكثر من ثلث السكان تحت خط الفقر

وخلال السنوات المنصرمة تضاعفت حدة الفقر والأزمة الاقتصادية في السنغال التي تستورد 70% من حاجياتها الاقتصادية، إضافة إلى تعثر محاولات النهوض بالاقتصاد، حيث ما تزال دكار مصنفة ضمن الدول الأقل نموا، ينضاف إلى هذا

وهو ما يعني أن الرئيس السنغالي سيكون مضطرا إلى الوفاء بتعهده، وإقامة عملة سنغالية بعد أكثر من قرن ونصف على سيطرة الفرنك الفرنسي، الذي أخذ بعد الاستقلال جبة إفريقية، تحمل اسم  CIFA

-    إدارة العلاقة مع الشركات المستثمرة في مجال الغاز: يمثل هذا الملف واحدة من أبرز التحديات التي يواجهها السيد بشير فاي، خصوصا أنه تعهد سابقها بمراجعة الاتفاقيات مع شركة BP، وتتأسس المراجعة المرتقبة على امتعاض سنغالي موريتاني مشترك مع تأخر الأشغال وتعثر الإنتاج، لكنها تتأسس على جانب آخر، وهو الروح الثورية التي قدم بها زعيم حزب باستيف السيد عثمان صونكو هذه الاتفاقيات، حيث ظل يصفها بالاتفاقية المجحفة، ويرى أن التناصف في الاتفاقية مع موريتانيا يمثل غبنا للسنغال، التي يزيد سكانها على موريتانيا بأكثر من أربعة أضعاف.

وسبق للشركة البريطانية أن سعت إلى حلحلة هذه الأزمة مع البلدين، من خلال إقالة مديرها الميداني الكازاخستاني السابق، إلا أن هامش الحرية والتحرك المتاح للثنائي فاي- سونكو يبدو محدودا، بعد أن أصبحا رجلي السلطة القويين، وتذهب صحف ومراقبون للشأن السنغالي إلى أن فاي سيكون أكثر براغماتية، خصوصا أن مراجعة الاتفاقيات تتطلب أيضا موافقة موريتانيا، وبدون موريتانيا لا يمكننا أن نفعل أي شيئ، وفق تعبير المحلل ورجل الاعمال السنغال بشير درامي

ويقول درامي وفق تقرير نشره موقع TV MONDE   "لا أعتقد أنه يمكن إعادة التفاوض بشأن Sangomar أو GTA، وهي عقود جارية بالفعل"، كما يضيف، مشيرًا إلى أن هذا الحقل الأخير مشترك ماديًا وتجاريًا مع موريتانيا.لا يمكننا فعل أي شيء بدون موريتانيا. ومع ذلك، لم تتحدث موريتانيا أبدًا عن إعادة التفاوض بشأن العقود".

ويتوقع درامي أن تكون المراجعات مستقبلية، ومتوجهة إلى حقول غاز غير مستغلة لحد الآن،  حيث " يمكن فتح نقاشات حول عقود أخرى أقل تقدمًا، مثل تلك الخاصة بـ Yakaar-Teranga، التي تبحث داكار عن مستثمر آخر لها بعد انسحاب BP مؤخرًا.

ويؤكد درامي أن الواقع سيكون أكثر قدرة على تطويع الحكومة السنغالية الجديدة"نعتقد أنهم سينجرفون بسرعة إلى الواقع ويدركون أن إعادة التفاوض بشأن هذه العقود ستكلفهم أكثر بكثير من الاحتفاظ بها"

موقع فرنسا في عهد الرئيس الملتحي: لم يخف الرئيس السنغالي السابق ماكي صال مخاوفه من وصول فاي إلى السلطة، وأكد لأصدقائه الفرنسيين أن يقاوم من أجل منع وقوع السلطة بيد الإسلاميين.

ويتأرجح السيد بصيرو ذو الخلفية الإسلامية، بين انتماء فكري لجماعة عباد الرحمن وآخر صوفي عميق لجماعة المريدية كبرى الطرق الصوفية في السنغال، وهو من بين مجموعة من النخب السنغالية التي ترى في ماضي العلاقة بين دكار وباريس نموذجا للارتهان الإفريقي، لسيطرة فرنسا وسطوتها.

ويطالب حزب باستيف الذي ينتمي إليه بصيرو بعلاقة جديدة ونوعية من فرنسا تقوم على الندية مع باريس، وتخرج السنغال من التبعية المحضة لباريس

غير أن العقبات كثيرة أمام راديكالية القطيعة، أو الانحراف الشديد في العلاقة بين الطرفين، حيث أن السنغاليين مصابون في الغالب بحول ثقافي تجاه فرنسا، التي تحولت لغتها إلى لغة رسمية ولسان جامع للسنغاليين

كما أن مختلف القوى السياسية والثقافية والدينية في السنغال مرتبطة بعلاقات قوية ونوعية مع فرنسا

وتخشى باريس دون شك من تراجع تأثيرها في السنغال، آخر وأهم قلاعها في غرب إفريقيا، فإن حجم الأسوء المرتقب لا يتوقع أن يصل حد الانسلاخ من الزمن الفرنسي، بما يقتضي تحول دكار من ركن أساسي في الاستيراتيجية الدولية الفرنسية إلى حليف لخصوم فرنسا

ودون شك فإن وصول فاي إلى الحكم قد يخلخل بعض ثوابت العلاقة بين البلدين، خصوصا إذا وفى بتعهديه المتعلقين بإدماج اللغة الإنكليزية في التعليم النظامي الرسمي، وإقامة عملة سنغالية خاصة.

 

موريتانيا..ثنائيات الاقتصاد والأمن

تمثل موريتانيا وطنا ثانيا لمئات الآلاف من السنغاليين الذين يعملون في قطاعات مختلفة في الجارة الشمالية، وتمثل مداخليهم ثاني مصدر للتحويلات المالية إلى السنغال بعد تلك القادمة من الجاليات المقيمة في أوربا.

وسبق للبلدين أن خاضا مناوشات سنة 1989، لكنهما استطاع ترميم علاقاتهما والسير بها بقوة إلى مزيد من السلام والتكامل، رغم الهزة العابرة التي شهدتها العلاقات سنة 2000

ومثل بقية السياسيين المعارضين في السنغال مارس الوزير الأول السنغالي المرتقب عثمان صونكو سياسية الهجوم والوعيد تجاه نواكشوط، في الوقت الذي حرص فيه الرئيس السابق ماكي صال على تعزيز علاقاته مع الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، وبموجب ذلك تمكن من الحصول على مئات رخص الصيد، إضافة إلى توطيد العلاقة بين الطرفين وتنسيق كثير من مواقفهما، مع مستوى مع التريث والتباين في بعض الخيارات السياسية والأمنية، والتنسيقات الإقليمية.

ووفق ما أكدته مصادر سنغالية رسمية لموقع ريم آفريك فإن حزب باستيف حرص خلال الأيام المنصرمة، على إيصال رسائل إيجابية إلى نواكشوط، وذلك عبر  قنوات متعددة، ووفق ماهو متداول فقد نقل نائب الأمين العام لحزب باسيتف رسائل متعددة إلى دبلوماسيين موريتانيين، مفادها حرص النظام الجديد على توطيد العلاقات مع نواكشوط.

إلا أن وجود السياسي السنغالي عثمان صونكو في واجهة النظام، وتوقع سيطرته على كثير من تفاصيل الحكم في بلاده، يجعل نظام نواكشوط على ترقب متصاعد لما يمكن أن ترسو عليه سفينة الحكام الشباب في  بلاد السنغان