الشيخ مختار كبي يكتب :الخارطة السياسية الجديدة في السنغال

اثنين, 02/11/2019 - 20:57

قانون الرعاية الانتخابية من أكثر القوانين الانتخابية  إثارة للجدل في الوسط السياسي نظرا إلى ظروف إصداره وملابساته وما نتج عنه من إبعاد قوى سياسية معتبرة في الساحة السياسية.

ومهما يكن من أمر فإن الواقع التطبيقي لقانون الرعاية الانتخابية كشف عن خلل فيه لا يمكن تجاهله , و يجب تداركه في المستقبل. إلا أن ذلك لا يمنعنا من الإقرار بجانب إيجابي  للقانون إذ تمكنت آلية التصفية الموضوعة من تقليص عدد المترشحين بصورة جذرية , الأمر الذي تزول معه الضبابية في الانتخابات  , وتفرز الكتل السياسية الحقيقية و التي طالما ناقشنا ضرورة الوصول إليها  والطرق المؤدية إليها علما بأن ذلك يساعد على قراءة الخريطة الانتخابية بدقة , ويحمي من أصوات الاقتراع الطائشة  بل إنما يرميها صوب الهدف المنشود أكثر ما تكون تأثيرا و مفعولية.  

و لقد بات واضحا بعد فرز الماكينة السياسية عبر آلة التصفية للرعاية الانتخابية أن الكتل الانتخابية الحقيقية الصلبة و الحاضرة في الشعب و المتفاعلة معه قد تبلورت و تحددت باعتبارها القوى التي لو تمحور ما تبقى من فصائل المعارضة حولها يمكن أن توجه الضربة القاضية على حكم السيد ماكي صال في رئاسيات 2019.

ولعل متابعة واعية و متفحصة ستقودنا إلى هذه الكتل السياسية و ما لكل منها من جوانب القوة و الضعف.

  1. كتلة التموقع و الاستمرارية (النظام):

و هي الكتلة المتمثلة في التحالف الحاكم و لها إنجازات في بعض المجالات , إلا أنها تعاني من فقدان المصداقية جراء اتباعها لسياسية المكيافيلية , و إهمالها المطلب القيمي في الحكم. ولعل المتابع للعد التنازلي لأصواتها الانتخابية يدرك بأن مخزونها الانتخابي يتراجع مع توالي الانتخابات , إلى جانب كون هذه الكتلة مهددة من قبل التصويت الشبابي , والضربات المرتدة من أنصار السيد خليفة صال , و كذلك القوى العاملة في القطاعات المهنية المختلفة , و من المهم مع ذلك أن نسجل بأن هذه الكتلة تحظى بمساندة الدولة العميقة وتتمتع بآلة الدولة و مغرياتها و نفوذها,  و لقد استفاد كل الأنظمة السابقة بهذا المعطى و إن بصورة أكثر لباقة وتحضرا مما نشاهده اليوم في حكم النظام الحالي حيث يتم فيه التلاعب الهمجي و الساذج بآلة الدولة و نفوذها.

  1. كتلة المفاصلة القيمية (مضاد النظام):

و هي المتمثلة في تحالف السيد عثمان سونكو  , والقوى الجديدة التي تستند إلى القبول الشعبي المتنامي , وتستخدم خطاب إعادة بناء الدولة والحكومة  للإطاحة بالنظام. ويمكن أن تتمحور حول هذه الكتلة القوى السياسية الجديدة و التكنوقراتيون , و كذلك التيار الإصلاحي الذي يتداخل بعض اهتماماته المرحلية مع أطروحات هذه الكتلة. ولو التف كل هؤلاء حول هذه الكتلة يمكن أن تكون قوة حاسمة , غير أن لهذه الكتلة جوانب ضعف قد لا نجد الوقت الكافي لمعالجتها جميعا و إنما نذكر منها على سبيل المثال: فقدان الآلية الانتخابية المتمرسة ,  والخطاب التشويهي ضده الصادر من المنافس ...

ومهما يكن من أمر فإن هذه الكتلة في حالة تصاعدية مستمرة , و إن لم تتعثر حتى موعد الانتخابات  يمكن أن تفاجئنا  بقوتها و نتائجها من حيث لا نحتسب.

  1. الكتلة السياسية التقليدية:

و هي الكتلة التي تضم كلا من السيد إدريس سيك و السيد ماديكي انيانغ و غيرهما. ولهذا المحور ثقله الانتخابي ومرانه السياسي غير أنه يعاني من أزمات عميقة , واستنزاف ذاتي متواصل بتوالي ارتكاب الأخطاء الفادحة. و من المتوقع أن يحظى الجناح الإدريسي بالتفاف جزء لا يستهان به من المعارضة إلى جانب ما يمكن أن يحظى به من الأصوات الانتخابية في مدينة طوبى: القطب الانتخابي الكبير و المؤثر.

 

  1. الكتلة التجديدية

و هي المتمثلة في حزب الوحدة و التجمع  purالذي يعتبر امتدادا للإرث المكتومي. و تكمن نقطة ضعف هذه الكتلة في نقطة قوتها  لأنها تستمد قوتها من دائرة المسترشدين و لا شك أن مدارها الانتخابي لا يشكل قوة انتخابية فاصلة. أضف إلى ما يُشم خلفه من رائحة ممارسة السياسة بالوكالة. على أنه لو نزل الزعيم الحقيقي للكتلة إلى الميدان لأعطى لها زخما انتخابيا يساعد على مضاعفة أصواتها , أما بهذه التركيبة الحالية فيستبعد منهم تحقيق إنجاز كبير في الرئاسيات. وقد كان من الجيد أن نجد الشيخ منصور سه جميل , وبعض التيارات الصوفية التي لها قواسم مشتركة أو جوامع مشتركة _كما يحلو للدكتور محمد سعيد باه أن يسميها_ يشكلون كتلة أخرى ,  و على كل حال لا أرى في الساحة ما يبشر بذلك.

  1. الكتلة الاشتراكية

و هي الكتلة الاشتراكية الغائبة أو المغيبة بين مخاوف النظام ومكايد السيد عثمان تنور جينغ , ولعل غيابها في هذه الانتخابات يشكل نقطة سوداء في وجهها لما يمثل من ثقل سياسي و إرث تاريخي كبير.

هذه الكتل هي قوام الحياة السياسية في السنغال الحالية و هي تغلف كل المشروعات السياسية في السنغال. و أعتقد أنه لو وظفت هذه الظروف المؤاتية من التغيرات الإيجابية , و إعادة تركيب الحياة السياسية السنغالية حق التوظيف يمكن  أن يتحقق مشروع إعادة بناء الدولة السنغالية , و إلا سنحوم مجددا في دوامة المحاولات اليائسة و البدايات اللامتناهية.

 

الشيخ مختار كيبي

رئيس التجمع الإسلامي في السنغال ris  الوحدة