قمة الاتحاد الأوروبي وأفريقيا...أحلام ووعود

أحد, 02/20/2022 - 18:28
بقلم: د. حكيم نجم الدين

اجتمع زعماء الاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي لمدة يومين في القمة السادسة بين الاتحادين القاريين. وكانت القمة المشتركة الأولى منذ عام 2017 حيث أُلغِي عقد القمة في عام 2020 بسبب وباء كورونا. وشارك فيها أكثر من 40 من القادة الأفارقة, وشملت برامجها مبادرات تنبئ عن محاولة أوروبا إعادة تأكيد نفوذها في القارة الإفريقية من خلال استدراك فشلها في دعم القارة واستعدادها لمنافسة لاعبين آخرين مثل الصين التي تملك استثمارات ضخمة داخل القارة, وروسيا التي توطّد علاقاتها مع دول وسط إفريقيا والساحل.

الأمن الإفريقي وسحب القوات من مالي:

من التعهدات التي أعلنها الاتحاد الأوروبي في القمة أن خطواتها وبرامجها الجديدة في إفريقيا تشمل "مساعدة" القارة في محاربة الإرهاب والتغلب على التحديات الأمنية. وقد انعقدت القمة في الوقت الذي تتأزم علاقات بعض الدول الإفريقية مع دول أوروبية بسبب الأزمات السياسية الجديدة على مدار العامين الماضيين.

وعبر عن ذلك الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" بقوله إن القوات الفرنسية والأوروبية التي تواجه الجماعات المسلحة في مالي ستنسحب من البلاد في غضون أربعة إلى ستة أشهر. وجاء الإعلان الفرنسي في مؤتمر صحفي مشترك عقب قمة مصغرة بباريس مع رئيس السنغال - الرئيس الحالي للاتحاد الأفريقي - "ماكي سال"، ورئيس غانا - الرئيس الحالي للجماعة الاقتصاديين لغرب إفريقيا – "نانا أكوفو أدو"، ورئيس المجلس الأوروبي "تشارلز ميشيل"، بالإضافة إلى رؤساء موريتانيا والنيجر وتشاد.

على أن رئيس الشؤون الخارجية في أوروبا "جوزيب بوريل" نفى أن يكون سحب القوات الأوروبية يعني أن الكتلة الأوروبية تتخلّى عن مالي والساحل, وقال: "نحن لا نتخلى عن الساحل, ولا نتخلى عن مالي، نحن فقط نعيد هيكلة وجودنا لمواجهة الوضع السياسي الجديد".

جدير بالذكر أن فرنسا انخرطت في عمليات محاربة الحركات المسلحة في مالي وفي منطقة الساحل منذ عام 2013. وتأزّمت علاقتها مع المجلس العسكري في مالي بعد الانقلابين الأخيرين اللذين أزاحا حلفاء فرنسا عن السلطة، الأمر الذي أجبر فرنسا على اتخاذ قرار تخفيف وجودها لصالح فرقة العمل الأوروبية "تاكوبا". وانهارت العلاقة في الأشهر الأخيرة بعدما تعاونت مالي عسكريا وأمنيا مع روسيا وتصاعدت الأصوات المطالبة بمغادرة فرنسا المنطقة. كما أن تصريحات مسؤولين فرنسيين المنتقدة للنظام العسكري المالي أدى إلى طرد السفير الفرنسي والقوات الدنماركية التي تشكل جزءًا من عملية "تاكوبا".

وكشفت فرنسا في إعلانها أن مركز العمليات الأوروبية في المنطقة ستُنقَل إلى النيجر. ورأى الرئيس "سال" أن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بحاجة إلى تكثيف دوره الأمني في المنطقة, قائلا إن "مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل لا يمكن أن تكون من اختصاص الدول الأفريقية وحدها".

وأكّد الرئيس "أكوفو أدو" على موقف الرئيس السنغالي "سال" من حيث دعوة مجلس الأمن الدولي لتولي مسؤولية بعثات استعادة السلام، إذ قال إن سحب القوات الأوروبية يعني أن الوقت الحالي غير مناسب لمغادرة قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة من مالي (مينوسما). وشدّد على أن القوات المسلحة لدول منطقة الساحل بحاجة إلى لعب الدور الأساسي في ضمان أمن أراضيها ومكافحة الإرهاب في غرب إفريقيا.

مبادرة البوابة العالمية الأوروبية لمنافسة الصين:

وبعد القمة المصغرة في باريس مع فرنسا؛ سافر القادة جميعًا لحضور قمة الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي في بروكسل. وكانت على رأس القضايا التي تم تناولها مبادرة البوابة العالمية التي أطلقها الاتحاد الأوروبي لمنافسة مبادرة الحزام والطريق الصينية. وقد تعهدت الكتلة الأوروبية بتوليد 150 مليار يورو من صناديق الاستثمار العامة والخاصة على مدى السنوات السبع المقبلة لتحقيق الدفعة الإفريقية الأولى من المبادرة التي يصل استثمارها العالمي إلى حوالي 300 مليار يورو.

وبالرغم من الشكوك المثارة حول فاعلية المبادرة في إفريقيا نظرا لقوة النفوذ الصيني وتنامي النفوذ؛ فإن المسؤولين في الاتحاد الأوروبي يؤمنون بأنها ستحقق أهدافها من خلال توفير بديل للقروض الصينية والتركيز الأوَليّ على عشرات المشاريع الطموحة لتعزيز الوصول إلى الإنترنت وروابط النقل والطاقة المتجددة.

ويكمن تشاؤم بعض المسؤولين الأفارقة تجاه المبادرة في غموض تفاصيل التمويل، كما رأى بعضهم أنها لا تصبّ في أولوياتهم وأن التمويل الأوروبي غالبا ما يأتي بشروط تعجيزية معقدة. ولذا أعرب بعض القادة الأفارقة عن حاجتهم لعشرات المليارات من الدولارات من صندوق النقد الدولي كمساعدات مستمرة بدلا من الاعتماد على وعود الاتحاد الأوروبي.

وفي وجهة نظر الرئيس السنغالي "سال"؛ فإن هذه القمة "بداية جديدة لشراكة متجددة". وكرر الجانب الأوروبي أيضا كون إفريقيا قارة مجاورة لأوروبا مما يوجب تغيير نمط العلاقة معها وتقريب القارة من الجانب الأوروبي, خاصة في ظل تقدّم منافسين آخرين وانخراط لاعبين جدد على مدى السنوات الماضية.

إنتاج لقاحات كوفيد-19:

كانت مكافحة وباء كورونا المستجد (كوفيد-19) من المواضيع الرئيسية في القمة؛ إذ أشاد قادة الاتحاد الأوروبي بـ "تعاونهم" مع إفريقيا في مجال اللقاحات بالرغم من أنهم لم يرفعوا حماية حقوق الملكية الفكرية للقاحات عندما طلبتها الدول الإفريقية كي تتمكن من إنتاج لقاحاتهم داخل القارة. وأغضب الموقف الأوروبي قادة إفريقيا الذين أبدوا استياءهم من التوزيع العالمي غير العادل والاحتكار الدولي للقاحات رغم مشاركة الأفارقة في التجارب الطبية لفعالية اللقاحات.

وقد انتقد قادة دول مثل جنوب إفريقيا وسيراليون الغربَ بإعطاء إفريقيا "فتات مائدتهم" والتخلّي عن القارة, حيث أدى شحّ اللقاحات إلى لجوء بعض الدول الإفريقية إلى تبنّي اللقاح الصيني والروسي. ووفقا لمنظمة الصحة العالمية تلقّى 11 في المئة فقط من الأفارقة التطعيمات الكاملةَ ضد كورونا، في الوقت الذي بلغ المتوسط العالمي حوالي 50 في المئة.

واستجابة على هذه الشكاوى تعهد الاتحاد الأوروبي بمنح إفريقيا 450 مليون جرعة بحلول منتصف عام 2022, وزيادة التمويل لمساعدة الأنظمة الصحية في القارة, إضافة إلى مليار يورو لتعزيز إنتاج اللقاحات في القارة في المستقبل.

وسبق أن أعلنت المفوضية الأوروبية أن الاتحاد الأوروبي ومؤسسة "جيتس" سيستثمران أكثر من 100 مليون يورو في السنوات الخمس المقبلة للمساعدة في إنشاء هيئة تنظيم الأدوية الأفريقية لتعزيز إنتاج الأدوية واللقاحات في القارة. وهناك خطة لإنشاء وكالة الأدوية الأفريقية (AMA) للتغلب على اعتماد القارة على اللقاحات المستوردة. وقد كشف المخطط الذي ترأسه منظمة الصحة العالمية أن ست دول أفريقية (مصر وكينيا ونيجيريا والسنغال وجنوب إفريقيا وتونس) ستكون الأولى في القارة التي تتلقى التكنولوجيا اللازمة لإنتاج لقاحات mRNA الخاصة بها. كما أن شركة BioNTech التي تنتج لقاح Pfizer من mRNA – أعلنت أيضا أنها تخطط لتسليم مرافق المصنع المبنية من حاويات الشحن إلى العديد من البلدان الأفريقية للسماح بإنتاج لقاح Pfizer داخل القارة.

قروض للرعاية الصحية:

في حدث منفصل، أعلن بنك الاستثمار الأوروبي توفير قروض رخيصة للدول الأفريقية بقيمة 500 مليون يورو لتعزيز أنظمة الرعاية الصحية. وتوقع البنك أن يحشد خط الائتمان هذا ما مجموعه مليار يورو في استثمارات خاصة وعامة.

على أن هذا الإعلان لم يثر حماسة بعض الأفارقة المشكّكين في مصداقية الجانب الأوروبي وما إذا كانت أوروبا ستفي بكل هذه التعهدات الاستثمارية. بينما تفاءل آخرون بحذر منتظرين حتى تصبح كل هذه التعهدات مشاريع حقيقية على أرض الواقع.

وأخيرا, كانت هناك قضايا ومواضيع أخرى تناولها الجانبان الأوروبي والإفريقي في القمة؛ مثل التعامل مع الأفارقة كأنداد وشركاء حقيقيين دون الوصاية الأوروبية، ومعالجة تدفقات الهجرة والبطالة بخلق الوظائف ودعم المهارات والإدماج الاجتماعي، وتآكل الديمقراطية من البلدان الأفريقية, والمشاكل البيئية وتغير المناخ وغيره من القضايا التي تدخل في نطاق الأهداف الرئيسية للصفقة الخضراء الأوروبية في إطار استراتيجية التنوع البيولوجي لعام 2030 وخطة عمل الاتحاد الأوروبي لصالح الاقتصاد الدائري.