أسسها ولد داداه، وأحياها ولد محمد فال وأفلست في عهد عزيز سونمكس والرؤساء ..قصة شركة شركة عابرة للأنظمة والسياسات

أحد, 01/29/2023 - 23:31

خاص ريم آفريك- منتصف الستينيات بدأت موريتانيا إقامة ذراعها الاقتصادي الذي يراد منه تثبيت حركة السوق المحلي وامتصاص تقلبات السوق العالمية ومواكبة حركة الهجرة والتقري الذي تدفقت على المدن الكبرى بعد أن أحرقت موجات الجفاف الأولى أغلب مرتكزات اقتصاديات الريف.

 

كانت بداية المشروع مع الإداري الرفيع المرحوم عبد الله ولد الشيخ ولد أحمد محمود الذي كان أول مدير للشركة التي مثلت أهم منجز اقتصادي في عهد الرئيس الأسبق المختار ولد داداه

ويذكر المرحوم عبد الله ولد الشيخ في مقابلة له مع موقع بوتلميت إنفو بعض البدايات التي رافقت المشروع " "استدعتني الدولة و كلفتني بإنشاء شركة سونمكس , وقمت باتصالات وأسفار عديدة بغية جلب الأموال , لأن الدولة ليس لديها تمويل لهالقد وجدت هذا الموارد الكافية للمتويل عند الجمارك في السنغال بموجب اتفاق مشترك مع موريتانيا, وكانت المشكلة أنني ليست لدي خبرة في التجارة الخارجية ,

أما الرئيس المختار ولد داداه فيقول في خطاب ألقاه بمناسبة تأسيس الشركة " "ستوفر ما يحتاجه المستهلك الموريتاني من المواد الأساسية كمًّا وكيفاً عندما تتم عقلنة التموين. وستكون أولى نتائج هذه العقلنة وتبسيط الدورة التجارية هي تخفيض كلفة الحياة كما أن هذه الشركة ذات الاقتصاد المختلط ستسمح للمساهمين الموريتانيين باكتساب خبرة مثمرة في ميدان تسيير الأعمال الكبيرة، وبذلك تكون حملة على غلاء المعيشة من جهة، ومدرسة لرجل الأعمال الموريتاني من جهة أخرى"

وسرعان ما تمددت الشركة بعد ذلك وتوسعت فروعها ومخازنها في مختلف أنحاء البلاد، ووفرت المواد الغذائية الأساسية في مختلف أنحاء البلاد إضافة إلى الملابس الأكثر استخداما خلال عقود ما قبل التسعينيات وهي الشكه للرجال وملاحف النيله للنساء

مع منتصف الثمانينيات بدأت الشركة تتجه إلى الانهيار قبل أن تفرغ في الأزمات المالية والإدارية طوال عقد التسعيينات لتصل إلى المحاق خلال الفترة الانتقالية، بعد أن بدأت مؤشرات الإفلاس، التي استفاد منها رجل الأعمال محمد ولد بوعماتو الذي أصبح بعد ذلك أهم مستثمر  في الشركة إلى جانب الدولة

 

 

مولاي العربي ..قصة إنقاذ سونمكس ومواجهة غضب عزيز

 

تولى المهندس مولاي العربي ولد مولاي امحمد إدارة سونمكس سنة 2005 وهي في وضعية عجز مالي يفوق 4.8 مليار أوقية، وغادرها في سنة 2008 وهي في وضعية توازن بين تقدر بحوالي 17 مليار أوقية، وفق ما أورده في بيان دفاع أصدره أثناء سجنه بتهمة تبديد ثروة سونمكس وجاء في البيان يومها:

لقد انتقلت شركة سونمكس من وضع العجز المالي بأكثر من 4,8 مليار أوقية عندما تسلمت إدارتها في سبتمبر 2005 إلى وضع التوازن في أكتوبر 2008 تاريخ مغادرتي لإدارتها، حيث وصلت مواردها إلى 17 مليار أوقية  ما بين مخزون بقيمة (9,3) مليار. وديون على الدولة بقيمة (4,7) مليار. وديون على الزبناء بقيمة (1,5) مليار أوقية. وودائع في الحسابات البنكية (2,0) مليار أوقية.

وقد نال مولاي العربي براءته بعد سنتين من الاعتقال رفقة المدير اللاحق عليه محفوظ ولد آكاط، ليغادر مولاي العربي إلى غينيا التي استطاع فيها إدارة مشاريع اقتصادية متعددة في مجال الطاقة.

كان اعتقال  مولاي العربي جزء من غضب الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز جراء تصرفات المدير المذكور ورفضه الانصياع لقرارات وأوامر تعيين وشراء صادرة من نافذين في النظام يومها، إضافة إلى صراع قوي بين المدير المذكور ورجل الأعمال الشهير محمد ولد بوعماتو، ليجتمع غضب المحمدين على إقالة مولاي العربي، وسرعان ما توترت العلاقة بين المحمدين المذكورين ودخلا في صراع لم تنته مراحله بعد

 

إفلاس سونمكس ...انهيار تحت رعاية السلطة

أخذت سونمكس بعد إقالة مولاي العربي ولد مولاي امحمد مسارا سريعا نحو الانهيار، ووفق تقرير موسع لوكالة الأخبار فإن سنوات ما بعد 2009 كانت "سنوات تبييض النهب" في هذه المؤسسة التي رافقت ميلاد الدولة.

 

وقد بدأت مؤشرات الانهيار خلال الأيام الأولى لحكم الرئيس ولد عبد العزي، وذلك من خلال:

إيقاف البنك الإسلامي للتنمية، دفع أقساط من عقد مرابحة كان قد وقعه مع شركة سونمكس يوم 22 – 06 – 2008، وتبلغ قيمته المالية 43 مليون دولار، وهو ما فرض على البنك المركزي – بصفته الضامن للصفقة – دفع مستحقات الشركاء التجاريين للشركة.

تحايل المستثمر السعودي عادل حسين بدوي الذي التقى الرئيس الموريتاني عبر إحدى مقرباته المدعوة منت الغرابي ووعده بخط تمويل يصل إلى 50 مليون، وخط تمويل سنوي بقيمة 62 مليار أوقية، ووقع بدوي مع سونمكس اتفاقية شراكة بتاريخ 6 أكتوبر 2009، وبناء على هذا الوعود الضخمة عرفت الشركة "تضخما" في بنيتها الإدارية، وفي رواتبها، فقد انتقلت من إدارتين (2) مركزيتين إلى سبع (7) إدارات، ومن سبع (7) مصالح إلى اثنتين وعشرين (22) مصلحة، قبل أن تضطر الشركة بعد "تلاشي" التمويل الوهمي إلى التراجع عن هذا التضخم، فيما تمت مضاعفة رواتب العمال ثلاث مرات، مع زيادة في الاكتتاب

لكن سونمكس وجدت نفسها بعد ذلك بقليل في مواجهة خدعة كبيرة وذلك بعد أن صرفت لصالح المستثمر السعودي قرابة 221 مليون أوقية دفعت في حسابهكنفقات "للضيف" وأخرى مقابل توريد يتعلق بإيراد وتغطية التأمين، وتم تحويلها له على حساب في البنك المغربي للتجارة الدولية، وبعد أن بدأت سونمكس إجراءات التقاضي صدرت لها أوامر عليا بإيقاف المتابعة

 تخفيض الأسعار للتجار: مع إعلان الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز في 2008 تخفيض الأسعار كان عدد من التجار المستفيد الأهم من هذا التخفيض حيث حصلوا على مخزون هائل كان بيد شركة سونمكس  حيث باعت كميات هائلة بنصف سعر الشراء، وذلك لصالح مجموعتي أهل غده ورجل الأعمال خطري ولد دحود، وقدرت خسائر الشركة يومها بحوالي 11 مليار أوقية في أسابيع قليلة، لتتحول هذه الخسارة إلى حصة وهمية في رأس مال الشركة، تقلص بموجبها حضور رجال الأعمال في الشركة إلى 9% بدلا من 32% التي كانت بيدهم عند وصول الرئيس السابق للسلطة.

إيقاف الاستيراد: قررت السلطات الموريتانية في 2015 إيقاف دور سونمكس في الاستيراد، وأصبحت مجرد مشتر من خصوصيين كانوا في السابق زبناء يشترون من عندها، وبموجب هذا التوجه القاتل فقدت الشركة أيضا مصدر تمويل مهم من مؤسسات دولية كانت تمنحها خط تمويل بقيمة 15 مليار أوقية سنويا مخصصة لشراء المواد الغذائية، وأخيرا بقي للشركة استيراد السماد، قبل أن تنكشف أزمة أخرى حيث تم منح عقد استيراد هذه المادة لصالح شركة مملوكة لرجل الأعمال المقرب من الرئيس السابق لعمر ولد ودادي، ورغم أن الحكومة ألغت هذه العقد بسبب تأخر الشركة في الوفاء بالتزاماتها ومطالبتها بتعويض أرفع، وتم تكليف شركة سونمكس بشراء الكميات المطلوبة، فإنها عادت مجددا واشتركت آلاف أطنان السماد من شركة أهل ودادي وبنفس السعر الذي رفضته اللجنة الوزارية التي ترأسها الوزير الأول الأسبق مولاي ولد محمد الأغظف وقضت يومها بإلغاء العقد نهائيا..لكنها الأوامر العليا...

تلف المخازن: تكدست في مخازن الشركة خلال سنوات الخمس الأخيرة من عمر الشركة، حتث تلفت داخل هذه المخازن قرابة 24 ألف طن، من بينها أكثر من 12 ألف طن احترقت في مخازن تابعة للشركة في نواكشوط

وهكذا وقعت سونمكس في حفرة الإفلاس، واعتقل عدد من مسؤوليها في نهاية حكم الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، في محاكمات وصفت بأنها انتقائية جدا ولم تغص في عمق الأزمة

 

 

مركزية التموين..ذراع اقتصادي على أنقاض سونمكس

 

ومع وصول الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني عاد الحديث مجددا عن شركة سونمكس، حيث قررت السلطات الموريتانية إنشاء مؤسسة جديدة تقوم على أنقاض سونمكس  تدعى (مركزية الشراء وتموين السوق)

وقد استطاعت الشركة التي انشئت في أكتوبر 2021، تزويد السوق الموريتاني بأكثر من 300 ألف طن من مختلف المواد الغذائية، كما صرفت 67 مليار قديمة لتمويل عمليات الشراء خلال الفترة المنصرمة من العام الجاري، في ظل مناخ دولي تفاقمت فيه الأوضاع الناجمة عن تداعيات جائحة كورونا مع اندلاع النزاع في أوكرانيا.

 

وتبقى الآمال عريضة معلقة على مركزية التموين لكي تسد الثغرة الواسعة التي خلفها غياب تفليس سونمكس في سنوات الجدب والفساد