فك رموز التزامات روسيا الاقتصادية في إفريقيا

جمعة, 02/10/2023 - 07:48

على الرغم من عدم حيازة روسيا الكثير لتقدّمه لإفريقيا اقتصاديًّا؛ إلا أن الحوافز السياسية لموسكو للتعامل مع القارة أصبحت أقوى بعد غزوها لأوكرانيا.

 

وبينما تسعى روسيا للهروب من العزلة الدولية بعد غزوها لأوكرانيا؛ فإن توسيع التزامات روسيا الاقتصادية في إفريقيا يكتسب أهمية إضافية. كما أن إبراز روسيا نفسها في صورة أكثر نشاطًا على الساحة العالمية، يُمكِّن لموسكو من إظهار صورة مفادها أنها مُحصَّنة ضد مثل هذه الضغوط، وأنه لا يزال لديها العديد من الأصدقاء حول العالم.

 

وعليه فليس من المُستغرَب أن تروّج روسيا بقوة للفرص الاقتصادية لإفريقيا، في قطاعات مهمة للتعاون؛ بدايةً من الزراعة والهيدروكربونات وحتى المجالات التكنولوجية مثل الطاقة والنقل والرقمنة.

 

تراجع حجم التعامل التجاري الروسي مع إفريقيا:

تواجه روسيا العديد من العقبات في عرض صفقاتها الاقتصادية (وللتذكير فقط، يعادل الناتج المحلي الإجمالي لروسيا 1.4 تريليون دولار وهو يماثل نظيره في البرازيل أو إسبانيا). ومن المتوقع أن ينكمش بنسبة 5.5% حتى عام 2023م، ولن يعود إلى مستواه قبل الحرب حتى عام 2030م. ويأتي ذلك في أعقاب انخفاض نصيب الفرد الروسي من الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 5.1% بين عامي 2010 و2020م.

 

ومن الواضح أن روسيا تستثمر القليل في إفريقيا باعتبار أن مساهمتها أقل من 1% في الاستثمار الأجنبي المباشر المتجه إلى القارة (IDE)؛ مما يوحي بأن التزام روسيا تجاه إفريقيا محدود، وقد يتجلى من خلال الاستثمارات برأسمال ينطوي على عوائد أطول أجلاً.

 

وعلى الرغم من أن التزامات روسيا الاقتصادية في إفريقيا أكثر اعتمادًا على التجارة؛ إلا أنها متواضعة أيضًا، حيث تبلغ 14 مليار دولار فقط مقارنة (بقيمة التجارة الإفريقية مع الاتحاد الأوروبي والصين والولايات المتحدة التي تبلغ 295 مليار دولار و254 مليار دولار و65 مليار دولار تباعًا). بالإضافة إلى ذلك؛ فإن الصادرات الروسية إلى إفريقيا أعلى 7 مرات من الصادرات الإفريقية إلى روسيا، مما يميزها عن المحافظ التجارية الأكثر توازنًا للشركاء التجاريين الرئيسيين لإفريقيا. وتمثل الصادرات الإفريقية إلى روسيا 0.4% فقط من إجمالي صادرات إفريقيا، وتتكون أساسًا من المنتجات الطازجة.

 

وتُصدِّر روسيا بشكل رئيسي الحبوب والأسلحة والصناعات الاستخراجية والطاقة النووية إلى إفريقيا. ورغم ذلك، فإن أكثر من 70% من جميع التجارة الروسية مع إفريقيا تتركز في أربعة بلدان فقط: مصر والجزائر والمغرب وجنوب إفريقيا.

 

 وفي هذا السياق، تعهّد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في قمة سوتشي في عام 2019م، بمضاعفة مستوى التجارة الروسية مع إفريقيا في غضون خمس سنوات. وعلى عكس ذلك، انخفض كل عام منذ عام 2018م؛ حيث انخفض بنسبة 30% في المجموع. في المقابل، عادت التجارة العالمية الروسية إلى مستويات ما قبل الوباء في عام 2021م. وهذا يوضح ميل روسيا إلى الإفراط في الوعود والفشل في الوفاء بوعودها عندما يتعلق الأمر بالتزاماتها الاقتصادية في إفريقيا.

 

الهدف الغائي يتمثل في الجيوسياسية فحسب: 

قد لا تتمتع إسهامات روسيا الاقتصادية المتواضعة في إفريقيا، في نهاية المطاف، بأهمية في نظر موسكو؛ باعتبار أن دوافع روسيا الحقيقية للانخراط في إفريقيا تتلخص في تعزيز مصالحها الجيوستراتيجية على غرار تأمين موطئ قدم لها في البحر الأبيض المتوسط على الحدود الجنوبية لحلف شمال الأطلنطي، والتأثير على النفوذ الغربي، وتطبيع نظرة روسيا إلى العالم. وبعبارة أخرى، فإن إفريقيا هي وسيلة لتحقيق الأهداف الاستراتيجية الأوسع لروسيا.

 

وعلى الرغم من إشادة موسكو بزيادة الفرص التجارية مع إفريقيا، إلا أن المكاسب السياسية هي الأكثر إقناعًا بالنسبة لها. وإفريقيا، بحيازتها 54 صوتًا في الجمعية العامة للأمم المتحدة، تُعتبَر هدفًا جذابًا لإقرار العدوان العسكري الروسي وانتهاكات القانون الدولي.

 

بالإضافة إلى ذلك، تكتسب روسيا معظم نفوذها في إفريقيا من خلال الأدوات غير التقليدية التي تستخدمها، بما في ذلك استمالة النخبة، والمعلومات المضللة، والتدخل في الانتخابات، ونشر مجموعة فاغنر شبه العسكرية، وعقود تبادل الأسلحة مقابل الموارد. إن القيمة الدولارية لمشاركة روسيا الاقتصادية في إفريقيا أقل أهمية من حقيقة إمكانية ادّعاء موسكو أن لديها علاقات ديناميكية مع دائرة واسعة من البلدان على الرغم من عزلتها الدولية.

 

السرد الاقتصادي الروسي في إفريقيا:

يمكن التوقُّع من روسيا ترويج التزاماتها الاقتصادية في إفريقيا بنشاط سواء كانت ضخمة أو غير مهمة. والأهم من ذلك أن إفريقيا تعتمد على روسيا في 30% من إمداداتها من الحبوب؛ علمًا بأن القمح يُشكِّل حوالي 95% تقريبًا من هذه الصادرات وبقيمة 3.3 مليار دولار على (11.9 طن متري). فيما تتجه 80% من صادرات القمح إلى شمال إفريقيا (الجزائر ومصر وليبيا والمغرب وتونس)، وكذلك نيجيريا وإثيوبيا والسودان وجنوب إفريقيا. وتعتمد القارة الإفريقية حاليًا على الواردات لتلبية 63% من احتياجاتها من القمح، ومن المتوقع أن تشهد هذه النسبة ارتفاعًا في ظلّ النمو السكاني في القارة.

 

 وبالنظر إلى التداعيات التي تعرَّضت لها أسعار المواد الغذائية جرَّاء انقطاع روسيا لإمداداتها، فسيكون السؤال الرئيسي هو ما إذا كانت هذه البلدان الإفريقية ستنغمس مرة أخرى في مثل هذا الاعتماد على مورد واحد؟

 

علمًا بأن روسيا تتبوأ الصدارة في قائمة الدول المُصدِّرة للأسلحة إلى إفريقيا نتيجة سيطرتها على نصف السوق. بينما تُباع الأسلحة الروسية إلى 14 دولة إفريقية، تمثل الجزائر ومصر وأنغولا 94% من قيمة مبيعات الأسلحة في المنطقة.

 

وعلى الرغم من إشارة روسيا في الوقت نفسه إلى اهتمامها بالاستثمار في النفط والغاز الإفريقي؛ إلا أن معظم هذه المشاريع لم تتحقق. وقد أدَّى ذلك ببعض المحللين الأفارقة إلى القول بأن الهدف الحقيقي لروسيا هو منع النفط والغاز الإفريقيين من الوصول إلى السوق العالمية، وتهديد حصة روسيا في السوق.

 

وفي هذا الصدد، تسعى روسيا إلى تعزيز بناء محطات الطاقة النووية في القارة, ففي عام 2020م، حصلت شركة روساتوم الروسية للطاقة الذرية المملوكة للدولة على قرض بقيمة 25 مليار دولار لبدء بناء أول محطة للطاقة النووية في مصر، وهي منشأة تبلغ 4800 ميجاوات في الضبعة والتكلفة الإجمالية للمصنع 60 مليار دولار. وفي المسار ذاته وقَّعت روساتوم اتفاقيات تعاون مع 17 حكومة إفريقية أخرى، بما في ذلك إثيوبيا ونيجيريا ورواندا وزامبيا. ونظرًا لتكاليفها، لا تعتبر هذه الصفقات النووية قابلة للتطبيق بالنسبة لمعظم الدول الإفريقية. ومع ذلك، فإن النفقات الضخمة لهذه المشاريع تخلق العديد من الفرص للفساد، وحوافز سياسية للمسؤولين المتميزين في الكرملين والحكومات الإفريقية.

 

أهم شركاء روسيا لتوسعها في إفريقيا:

تتصدر شمال إفريقيا رأس قائمة الأولويات بالنظر إلى الأهمية الجيوستراتيجية لهذه المنطقة بالنسبة لموسكو. ومن المتوقع أن تندرج في قائمة الأولويات تلك الدول الإفريقية المؤثرة الأخرى التي تعتقد موسكو أنها يمكن أن تدخل في فَلكها على غرار إثيوبيا وجنوب إفريقيا ونيجيريا والسنغال وجمهورية الكونغو الديمقراطية وأوغندا.

 

وإثيوبيا، على سبيل المثال، موضع مهم لاهتمام موسكو؛ التي تحاول استغلال الانتقادات الغربية الموجهة ضد إثيوبيا بسبب انتهاكاتها لحقوق الإنسان في إقليم تيغراي. ومع ذلك، نظرًا لضرورة إعادة بناء إثيوبيا، سيكون الاستثمار الأجنبي ضروريًّا، وهو أمرٌ لا يستطيع الروس المساهمة فيه.

 

وفي سياق التحركات الروسية، تحاول روسيا تعميق علاقاتها مع جنوب إفريقيا أحد أعضاء البريكس، لا سيما أن حكومة الأخيرة عمدت إلى المصطلحات المستخدمة من روسيا في وصفها الحرب في أوكرانيا. وقد يؤدي المردود السياسي المتصور لتعميق العلاقات إلى زيادة النشاط الاقتصادي الروسي في جنوب إفريقيا، حتى لو لم يكن ذلك مفيدًا اقتصاديًّا. وفي الوقت نفسه، تأتي المصادر الخمسة الأولى للاستثمار الأجنبي المباشر في جنوب إفريقيا من الغرب.

 

في أوغندا، وافقت الحكومة على تبادل الدعم العسكري والدعاية الروسية من أجل ضخّ رسائل روسية بشأن حربها في أوكرانيا، وغيرها من القضايا العالمية على التلفزيون الأوغندي الحكومي.

 

بينما تبدو وعود روسيا الاقتصادية في إفريقيا جوفاء؛ فإن الحوافز السياسية للمشاركة بالنسبة لروسيا وبعض الحكومات الإفريقية قوية. وعليه، فعلى الرغم من ضآلة ما تُقدّمه روسيا من الاقتصاد الملموس لإفريقيا، إلا أن المتوقع سماع المزيد من الدعاية لروسيا في إفريقيا.