نيجيريا: بلد المفارقات والتناقضات.. العملاق الإفريقي المنهك بالأزمات

خميس, 03/09/2023 - 11:45
نيجيريا.. عملاق إفريقي منهك بالأزمات

نيجيريا بلد المفارقات والتناقضات، فرغم امتلاكها أكبر اقتصاد في إفريقيا، وأكبر إنتاج نفطي وأكبر احتياط غازي وأكبر عدد من السكان في القارة السمراء، ورابع أكبر قوة عسكرية قاريا.

 

بالمقابل، تحصي نيجيريا أكبر عدد من الفقراء في إفريقيا، ونحو 40 بالمئة من نفطها في الجنوب يتم سرقته، ومساحات واسعة من شمال شرق البلاد خاضعة لسيطرة الجماعات الإرهابية، ناهيك عن انتشار عصابات النهب والقتل والاختطاف المتحالفة أحيانا مع الجماعات الإرهابية.

 

وهذه الأزمات الاقتصادية والأمنية والاجتماعية مجتمعة حدّت من صعود عملاق إفريقي بإمكانه ضبط الاستقرار، ليس فقط على أرضه، بل في كامل منطقة غرب إفريقيا.

 

**عملاق نفطي يواجه نزيفا داخليا

طيلة عقود، تزعمت جنوب إفريقيا القارة السمراء اقتصاديا، ونافستها على الصدارة كل من الجزائر ومصر لأعوام قصيرة ومتفرقة، لكن منذ 2013 تجاوزت نيجيريا الجميع بفضل إنتاجها الكبير من النفط (الأولى إفريقيا منذ 1979) بالتزامن مع ارتفاع أسعاره لمستويات قياسية.

 

إذ كانت البلاد تنتج نحو مليوني برميل يوميا قبل أن يتراجع إنتاجها في 2022، لنحو 1.6 مليون برميل يوميا، بسبب لصوص النفط ما أفقدوها نحو 200 ألف برميل يوميا وفق مصادر رسمية، بينما يرى خبراء أن هذا الرقم يصل إلى نحو 600 ألف برميل يوميا.

 

بل إن بيانات حكومية لهيئة تنظيم النفط النيجيرية كشفت أن إنتاج النفط تراجع لأقل من مليون برميل يوميًا في أغسطس 2022، وهو أدنى مستوى منذ 1990، ما كاد يفقد البلاد صفتها كأكبر منتج للنفط في إفريقيا، بعد تفوق أنغولا وليبيا عليها في بعض الأشهر من العام الماضي.

 

حيث أن 40 بالمئة من كميات النفط فقدت بسبب سرقة النفط، وعدم الدقة في حساب الإنتاج، وفق تدقيق جنائي أجرته "لجنة تنظيم التنقيب والإنتاج النيجيرية" للفترة بين يناير 2020، ونوفمبر 2022.

 

وتمتلك نيجيريا ثاني أكبر احتياطي نفطي مؤكد في إفريقيا بعد ليبيا، بكمية تقترب من 37 مليار برميل بنهاية عام 2021، لكنه الأقل منذ 2011.

 

** احتياطات غاز ضخمة

تطمح نيجيريا لتصبح ثالث أكبر مصدر للغاز المسال في العالم، من خلال استغلال احتياطاتها الضخمة من الغاز الأكبر في إفريقيا والتي تبلغ 5.7 ترليونات متر مكعب 2021، بينما يصل إنتاج الغاز إلى 45.9 مليار متر مكعب، صدرت منه 35.46 مليار متر مكعب.

 

لذلك تراهن نيجيريا على زيادة استثماراتها في الغاز الطبيعي والمسال، ليس فقط لزيادة الصادرات بل أيضا لتلبية الطلب الداخلي المتزايد على الكهرباء.

 

ففي يونيو 2020، أطلقت نيجيريا مشروع إنجاز خط "AKK" لنقل الغاز من دلتا النيجر في الجنوب إلى مدينة كانو في الشمال، والذي سيكون جزء من الأنبوب العابر للصحراء (نيغال) باتجاه النيجر والجزائر.

 

حيث وعدت السلطات النيجيرية أن يبدأ العمل بأنبوب "AKK" خلال الربع الأول من 2023، وسيساعد في توليد 3.6 جيغاوات من الطاقة، ودعم الصناعات القائمة على الغاز على طول الطريق عند اكتماله.

 

فرغم أن البلاد غنية بموارد الطاقة إلا أن نسبة السكان الذين يحصلون على الكهرباء تبلغ 55.4 بالمئة، وفق بيانات البنك الدولي، مقارنة بتونس التي تصل هذه النسبة إلى 100 بالمئة مع أنها مستوردة للغاز.

 

وإلى جانب خط نيغال لتصدير الغاز النيجيري إلى أوروبا (إيطاليا) عبر الجزائر، تدرس أبوجا إنجاز خط ثاني يمر عبر 13 دولة إفريقية باتجاه المغرب ثم أوروبا (إسبانيا).

 

غير أن أوروبا ليست متحمسة كثيرا لاستيراد الغاز النيجيري عبر الأنابيب، وتفضل استيراد الغاز المسال منها عبر السفن، وذلك لعدة اعتبارات، أبرزها سعي دول الاتحاد للتخلص من الوقود الأحفوري في آفاق عام 2050، بينما أنبوب الغاز العابر للأطلسي مثلا من المتوقع أن يستكمل في 2046 على الأقل.

 

والأمر الآخر، أن الدول الغربية لا تريد رهن أمنها الطاقوي عبر أنابيب غاز تمر من مناطق غير آمنة أو مناطق نزاع، خاصة وأن دلتا النيجر يشتهر بعصابات سرقة النفط، وقد تتعرض هذه الأنابيب إلى التخريب سواء على يد الجماعات الإرهابية أو عصابات سرقة المحروقات.

 

** 70 مليون فقير في بلد غني

نيجيريا ليست فقط أكبر دولة إفريقيا من حيث الناتج الداخلي الخام والبالغ 440 مليار دولار في 2021، وفق البنك الدولي، ولكنها الأكبر أيضا إفريقيا من حيث عدد السكان (216 مليون نسمة)، ونصيب الفرد فيها من الناتج الإجمالي متدني ولا يتجاوز 2065 دولارا، أي أنها ليست من الدول الغنية بل يمكن اعتبارها من الدول الفقيرة.

 

إذ صنفت بيانات "ساعة الفقر العالمي"، في عام 2022، نيجيريا الأولى إفريقيا من حيث عدد الفقراء، حيث يعيش 70 مليونا و677 ألفا و758 نسمة من مواطنيها تحت خط الفقر، ويمثلون 33 بالمئة من إجمالي عدد السكان.

 

وكانت نسبة النيجيريين الذين يعيشون تحت خط الفقر (1.9 دولار للفرد في اليوم) تبلغ 40 بالمئة في مارس 2022.

 

كما بلغ معدل التضخم 21.5 بالمئة في نهاية عام 2022، ومعدل البطالة 33 بالمئة لجميع البالغين و42.5 بالمئة للشباب.

 

فنيجيريا، تعد أيضا الأولى من حيث الكثافة السكانية إفريقيا، ونسب المواليد الجدد بها مرتفع وبلغ 2.4 بالمئة في عام 2021، وفق البنك الدولي، ما يدفع الخبراء للاعتقاد أنها ستتفوق على الولايات المتحدة الأمريكية من حيث عدد السكان، للتصبح الثالثة بعد الهند والصين في عام 2050.

 

** قوة عسكرية كبيرة وأمن هش

يصنف موقع "غلوبل فاير باور"، الجيش النيجيري كرابع قوة عسكرية في إفريقيا بعد كل من مصر والجزائر وجنوب إفريقيا.

 

حيث يبلغ تعداد الجيش النيجيري 135 ألف عنصر، وميزانية الدفاع أقل من 3.5 مليارات دولار، و144 طائرة حربية منها 14 مقاتلة و24 هجومية و15 مروحية، و177 دبابة ونحو 15 ألفا و750 عربة مدرعة، و136 قطعة بحرية منها فرقاطة واحدة فقط.

 

ورغم أن الجيش النيجيري يعد الأكبر في غرب إفريقيا، إلا أنه يواجه عدة تنظيمات مسلحة على غرار القراصنة في خليج غينيا، وانفصاليي إقليم بيافرا (جنوب شرق) وانفصاليي منطقة دلتا النيجر الغنية بالنفط (جنوب)، وتنظيمات إرهابية في الشمال الشرقي مثل بوكو حرام وداعش، وجماعات صغيرة مقربة من تنظيم القاعدة في الشمال الغربي، وعصابات النهب والخطف.

 

ناهيك عن النزاعات بين الرعاة والمزارعين، وبين المسلمين في الشمال والمسيحيين في الجنوب.

 

وكثرة الجماعات المسلحة في البلاد أثقل كاهل الجيش والقوى الأمنية، وأضعف قدرة البلاد على التطور ولعب دورها الإقليمي المفترض كشرطي غرب إفريقيا.

 

إذ أنها لجأت للاستعانة بجيش تشاد لقتال الجماعات الإرهابية في الشمال الشرقي، ما يعكس الإنهاك الذي يعاني منه الجيش النيجيري في الحفاظ على وحدة وتماسك البلاد.