التداعيات الإقليمية والقارية لانتخابات 2023 النيجيرية

جمعة, 03/24/2023 - 12:24

أجرت نيجيريا يوم السبت 25 فبراير 2023م انتخابات عامة لاختيار الرئيس وأعضاء الجمعية الوطنية. وأعلنت المفوضية الانتخابية في الاول من مارس فوز "بولا تينوبو" -مرشح الحزب الحاكم- بالرئاسة؛ حيث هزم 17 مرشحًا رئاسيًّا آخر، وأنّه حصل على ما مجموعه 8,794,726 صوتًا (وهو أعلى معدل بين جميع المرشحين)، وحصل على أكثر من 25 في المئة من الأصوات المُدْلَى بها في 30 ولاية -أي أكثر من 24 ولاية مطلوبة دستوريًّا-، وبذلك استوفى الشروط الدستورية لإعلان الفائز.

 

وبعد الانتخابات الرئاسية تم إجراء انتخابات حُكّام الولايات في 28 من أصل 36 ولاية نيجيرية وأعضاء مجلس نواب هذه الولايات، وذلك في يوم 18 مارس الجاري. وتوّجت هذه الانتخابات العامة 24 عامًا من الديمقراطية غير المنقطعة في تاريخ نيجيريا، كما أنها بمثابة نقل حاسم للسلطة؛ حيث قضى الرئيس "محمد بخاري" ولايتين رئاسيتين مدة كل منهما أربع سنوات، وهو غير مُؤهَّل دستوريًا للحصول على فترة ولاية أخرى.

 

وبالرغم من اعتراضات المعارضة النيجيرية على النتائج، واتهامها المفوضية الانتخابية بالتحيز لصالح "تينوبو" مرشح الحزب الحاكم؛ فإن نسبة نجاح هذه العملية الانتخابية، وسلمية انتقال السلطة إلى الإدارة الجديدة القادمة، ومواجهة التحديات الأمنية والمخاوف الاقتصادية؛ كلها تجعل عام 2023م العام الأكثر أهمية منذ عودة نيجيريا إلى الديمقراطية في عام 1999م، بالإضافة إلى ما لهذه الانتخابات العامة ونتائجها من آثار إقليمية وقارية ودولية، وخاصة باعتبار ثقل نيجيريا البشري والاقتصادي.

 

ثِقَل نيجيريا البشري والاقتصادي:

تُعدّ نيجيريا أكبر دولة إفريقية من حيث عدد السكان، مما منحها لقب "عملاق إفريقيا"؛ ففي عام 2020م قُدِّر عدد سكان البلاد بأكثر من 200 مليون شخص، وأُعلِن في عام 2021م أن عدد سكانها ينمو بمعدل 2.6 في المئة سنويًّا، وهو أحد أسرع المعدلات نموًّا على مستوى العالم، مع توقعات أن يتضاعف عدد السكان في غضون 25 إلى 30 عامًا القادمة.

 

ويعني ما سبق أن بإمكان الحكومة النيجيرية استغلال العدد الهائل والهيكل السكاني كأحد أضلاع خطتها التنموية وأصولها الاقتصادية، وخاصةً أن نيجيريا تضم أيضًا أكبر عدد من الشباب على مستوى العالم. بل بالنظر إلى أن أعمار نسبة 70 في المئة من النيجيريين تقل عن 30 عامًا، وأن أعمار نسبة 42 في المئة تقل عن 15 عامًا؛ فإنَّ الإدارة القادمة بحاجة إلى منهج متميز يستهدف الشباب من أجل النمو الوطني وتأمين قوة عاملة كبيرة لتوسيع قدرة البلاد كمركز اقتصادي إقليمي وإفريقي وعالمي.

 

وفي حين أن الوضع الراهن يخالف مخاوف البعض قبل الانتخابات الأخيرة بأن التنازع على النتائج واندلاع العنف قد تؤدي إلى موجة نزوح قوية تؤثر على أنماط الهجرة والترتيبات التجارية في المنطقة؛ إلا أنه من ضمن ما يجعل هذه الانتخابات في غاية الأهمية أن الإدارات النيجيرية السابقة أهملت كثيرًا عنصر النمو السكاني المرتفع كأساسيات تحدد خططها وبرامجها؛ وهذا الإهمال أدى إلى إجهاد جميع قطاعات الاقتصاد مع ارتفاع تكلفة المعيشة.

 

واعتمادًا على حقيقة أن الرئيس المنتخب "بولا تينوبو" خبير مالي مهتمّ بالتنمية؛ نظرًا لخبراته الحافلة في ولاية لاغوس عندما حكمها بين 1999 و2007م؛ فإن "منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية" (AfCFTA) قد توفّر لإدارته فرصة استفادة السكان والصناعات الكبيرة في نيجيريا من المنطقة التجارية؛ بحيث يعزّز ضمان نجاح الكتلة التجارية الإفريقية, وخاصةً أن نيجيريا إحدى أكبر الاقتصادات في إفريقيا، وقطاعها التصنيعي أصبح ينتج نسبة كبيرة من السلع والخدمات لمنطقة غرب إفريقيا؛ نتيجة الإصلاحات الاقتصادية التي أطلقتها البلاد في عام 2013م. ويمكن أن يوفّر تزايد النشاط التجاري الإقليمي وسيلة أخرى للتعزيز الضروري لاحتياجات الاقتصاد المحلي النيجيري، مع إنشاء أسواق جديدة للصناعات المتعثرة لدعم وصول المنتجات ونموّها وتوفير الزخم للحكومة المقبلة للاستفادة من فرصة المنطقة التجارية لتحسين تركيزها على بناء المزيد من الصناعات.

 

جدير بالذكر أن من التحديات التي تُواجه نيجيريا هي ديونها التي تصل نسبتها 36,63 في المئة في عام 2021م؛ من حيث الناتج المحلي الإجمالي وفقًا لصندوق النقد الدولي. وتوجّه النشاط الاقتصادي النيجيري في السنوات السبع الماضية نحو الزراعة، ممَّا أدَّى إلى تباطؤ في قطاع التصنيع الذي انخفض من 9,5 في المئة في عام 2015م إلى 9 في المئة في عام 2021م. وهذا يرجع إلى التوجُّه نحو الزراعة وضعف الاهتمام بقطاع الصناعات التحويلية مِن قِبَل الحكومات السابقة؛ حيث لا تُنتج نيجيريا ما يكفي للاستهلاك المحلي والتصدير، الأمر الذي أثّر سلبًا في نقص النقد الأجنبي وقلة الوظائف المتاحة وكثرة فاتورة الاستيراد التي يصعب الوفاء بها وتعرقل استدامة التجارات الصغيرة والكبيرة.

 

وبناء على ما سبق؛ فإن الحجم الهائل لسكان نيجيريا واقتصادها وكثرة مُبدعيها من الشباب والعلماء الذين يقودون الشركات الكبيرة والمؤسسات العالمية؛ كل هذا وغيره جعل التطورات الانتخابية تحظى بالاهتمام الدولي؛ وخاصةً أن مواطنين نيجيريين يشغلون مناصب عليا في جميع أنحاء العالم، مثل منصب نائب الأمين العام للأمم المتحدة، والمدير العام لمنظمة التجارة العالمية، ومفوّض الشؤون السياسية والسلام والأمن بمفوضية الاتحاد الإفريقي.

 

في مقابل ذلك فإن الظروف الاقتصادية الصعبة والمخاوف الأمنية أدت إلى مغادرة كثير من النيجيريين لبلادهم؛ سعيًا وراء تحقيق الفرص خارج بلادهم، مما أثَّر سلبًا على نيجيريا؛ بسبب فقدان المواهب وهجرة العقول والقوى العاملة؛ من هنا فإن الشتات النيجيري يلعب دورًا بارزًا في الدول الغربية، ويساهم بتحويلاته المالية في دعم اقتصاد نيجيريا؛ حيث تصل هذه التحويلات إلى مليارات الدولارات سنويًّا. ولذلك زار بعض المرشحين الرئاسيين قبل الانتخابات دولاً مثل المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية وغيرها؛ للتقرب من بعض مسؤولي هذه الدول، واكتساب دعم هؤلاء النيجيريين المغتربين ومقابلة عدد منهم.

 

أهمية نيجيريا الإقليمية والدولية:

تراجعت نيجيريا في السنوات الأخيرة عن دورها القيادي الذي كانت تؤديه داخل إفريقيا؛ حيث أصبحت الحكومات منذ عهد الرئيس "غودلاك جوناثان" تتجه نحو الداخل النيجيري؛ نتيجة التحديات المحلية والوطنية التي استحوذت على اهتمام السياسيين. وبقيت معظم التعاملات النيجيرية الدولية مرتبطة بالعلاقات التجارية وسبل التعاون الاقتصادي، وخاصةً فيما يتعلق بالنفط الذي تُصدر نيجيريا معظمه إلى الخارج، ويشكل 90 في المئة من عائدات الصادرات النيجيرية؛ حيث تستحوذ الهند والولايات المتحدة على غالبية هذا النفط النيجيري.

 

ومع ذلك أظهرت الأنشطة التي رافقت الانتخابات الأخيرة أن هذا التوجه الداخلي قد يتغير قريبًا؛ ليس فقط بسبب المناخ السياسي في نيجيريا الذي قد يُلْهِم شعوب الدول الإفريقية الأخرى، وخاصة شبابها، بالانخراط في العملية السياسية، بل لأن الحملات السياسية للانتخابات النيجيرية الأخيرة بقيادة الشباب راهنت كثيرًا على مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي.

 

ويلاحظ هذا الزخم في حملة القوة الثالثة –أو مؤيدي "بيتر أوبي" مرشح حزب العمل المعارض-؛ حيث حاول أنصاره من الشباب ربط تحركاتهم وجهودهم مع فكرة الوحدة الإفريقية، واستوحوا تفاؤلهم من تجارب انتقال السلطة السلمي والديمقراطي بقيادة الشباب في دول مثل زامبيا في عام 2021م، وكينيا في عام 2022م، إلى جانب التجارب السياسية الشبابية المتميزة في دول إفريقية أخرى.

 

وعلى الرغم من التنازع على نتائج الانتخابات الرئاسية النيجيرية وتوجُّه أحزاب المعارضة إلى المحكمة رافضةً إعلان "تينوبو" فائزًا في الانتخابات, الأمر الذي قد يوجّه ضربة كبيرة للثقة في الحكم الديمقراطي في نيجيريا ويبرّر فكرة السيطرة العسكرية في دول أخرى في غرب إفريقيا؛ إلا أن مؤيدي الديمقراطية في إفريقيا يرون أن نجاحَ الانتخابات النيجيرية لا يزال مؤشرًا جيدًا ودفعة إيجابية تحتاجها المنطقة لتبديد الدعم القوي للانقلابات العسكرية التي وقعت في السنوات القليلة الماضية في دول مثل مالي وغينيا وبوركينا فاسو, كما اعتقدوا أن الاحترام الذي تحظى به نيجيريا بين الدول الإفريقية وتأييد النيجيريين للديمقراطية والانتقال السلمي للسلطة قد يؤثران -ولو قليلاً- في تحجيم التشاؤم الناجم عن النزعة المتصاعدة لسيطرة العسكر على السلطة, وخاصة أنه خلال 23 عامًا من عودة نيجيريا إلى نظام الحكم المدني الديمقراطي وقعت حوالي 30 محاولة انقلابية في المنطقة؛ نجحت 17 منها.

 

من جانب آخر وباعتبار نيجيريا حليفًا للغرب؛ فإن إجراء الانتخابات الأخيرة ونجاحها يعني أن بإمكان الغرب الآن الاعتماد على نيجيريا في مزاعم تطوير الديمقراطية الإفريقية، واستخدامها كنموذج إفريقي مهمّ في المنطقة، بالإضافة إلى تقديم بعض المسؤولين النيجيريين كواجهة دبلوماسية فاعلة في الانتخابات والممارسات الديمقراطية التي يتوقع إجراؤها في وقت لاحق من هذا العام 2023م في دول إفريقية أخرى، مثل المنافسات الرئاسية المتوقعة في سيراليون وليبيريا وغابون ومدغشقر وجنوب السودان وزيمبابوي.

 

ويعتبر الحضور النيجيري مهمًّا أيضًا في الساحة الإقليمية والقارية والدولية؛ فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب الذي يُمثِّل مشكلة عالمية؛ إذ تعاني نيجيريا نفسها من أزمة "بوكو حرام" في منطقة بحيرة تشاد. وقد أكَّد حصاد التطورات الأخيرة بشأن الملف أنه لا يمكن هزيمة الجماعة ومعالجة مشكلة الإرهاب إلا من خلال التحالفات المنسَّقة مع الدول المجاورة الأخرى مع تعزيز دور الأفراد العسكريين النيجيريين الذين يتمتعون بخبرات إقليمية ودولية بموجب مشاركاتهم في عمليات حفظ السلام في إفريقيا وخارجها.

 

وأخيرًا، فإن ممَّا يُكْسِب الانتخابات النيجيرية الأخيرة اهتمامًا دوليًّا أنها أُجْرِيت باستخدام التكنولوجيا الجديدة التي اعتُمدتْ مؤخرًا في القانون النيجيري, وهو ما يؤكد انفتاح البلاد رقميًّا، واحتمالية استخدام الحكومة القادمة لهذه التكنولوجيا وتعزيزها في سياساتها الخارجية مع دول معينة, وخاصةً أن المفوضية الانتخابية سبق وأن أعلنت أن خوادمها تعرَّضت لمحاولات القرصنة من مناطق بعيدة مثل آسيا أثناء انتخابات حاكمَي ولايتي "إيكيتي" و"أوسون" جنوب غرب إفريقيا. هذا إلى جانب مزاعم بأن منظمات أجنبية تُموِّل جهود الدعاية والمعلومات المضللة لتعزيز الأفكار المعادية للحكومات الديمقراطية والمؤيدة للحكومات الاستبدادية في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.