كيف تنخرط الشركات الألمانية اقتصاديًّا في الأسواق الإفريقية؟

اثنين, 01/08/2024 - 08:56

نشر المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية (SWP) مقالًا لكلّ من تارا ميتي -رئيسة قسم إفريقيا في DIHK DEinternational، الشركة القابضة للشبكة العالمية لشركات المبيعات لغرف التجارة الأجنبية، منذ عام 2022م- وهيكو شوفيروفسكي، مسؤول المنطقة الإقليمية لإفريقيا جنوب الصحراء الكبرى التابعة لغرفة التجارة والصناعة الألمانية (DIHK).

حيث تناولا فرص الاستثمار المتاحة في إفريقيا في ظل التحديات التي يواجهها الاقتصاد الألماني بشأن إعادة تنظيم سلاسل التوريد الخاصة به بعد أن أزاحت الحرب الروسية في أوكرانيا الستار عن أزمة الاعتمادية في قارة أوروبا على قطاع الطاقة الروسي، في محاولة لفك هذا الارتباط.

 

نظرًا للاهتمام الكبير الذي تُوليه الشركات الألمانية لأسواق الشراء والمبيعات المتنوعة، تناقش تارا ميتي وهيكو شوفيروفسكي في هذه المقالة الإطار السياسي والاقتصادي الذي يمكن من خلاله إعطاء دفعة للتعاون بين ألمانيا وإفريقيا؛ حيث يواجه الاقتصاد الألماني حاليًّا تحديًا كبيرًا مُمثلًا في إعادة تنظيم سلاسل التوريد الخاصة به، ومِن ثَمَّ سيشكل “فكّ الارتباط” بين روسيا و”إزالة المخاطر” في الصين دلالة على أن الأسواق التي لعبت، في السابق، دورًا هامشيًّا بالنسبة للشركات المحلية صارت محل تركيز واهتمام بشكل متزايد.

 

آفاق التعاون مع الأسواق الإفريقية:

لقد انصبّ التركيز الأكثر أهمية على آفاق التعاون المستقبلي الموَسَّع فيما يخص التحول البيئي الاجتماعي. ولهذا السبب، يخضع المشروع الذي جرى تدشينه، مؤخرًا، في ناميبيا بقيمة تبلغ مليار دولار لإنتاج الهيدروجين الأخضر بدعم من الشركات الألمانية، لمراقبة حثيثة. بالإضافة إلى ذلك، تُسهِم الشراكة الألمانية في أنجولا في توفير مصادر الطاقة المستدامة المعتمدة على الهيدروجين لكل من ألمانيا وأوروبا اعتبارًا من عام 2024م. وفي المقابل، أصبحت مصر والمغرب محل تركيز أوروبي أيضًا؛ بسبب تمتعهما بظروف مواتية لإنتاج الهيدروجين الأخضر ومسارات نقل مرنة وصولًا إلى أوروبا.

 

وعند سؤال الشركاء الأفارقة؛ نجد أن الصناعة تأتي في المقدمة، والتي لا تزال توفر أكبر عدد من فرص العمل في القارة المجاورة. كذلك في مجال الزراعة، هناك إمكانات تتيحها الشركات الألمانية في مضمار تقديم الحلول التقنية وتوفير الآلات المتعلقة بأساليب الزراعة والري الحديثة. كذلك تتحسن بشكل مطرد آفاق تصنيع الأغذية المحلية واستيراد المنتجات الزراعية (المصنعة). وتساهم في ذلك مشاريع التعاون التنموي الألمانية التي يرعاها مكتب ترويج الواردات. وسواء كان الأمر يتعلق بإنتاج الحبوب، مثل الأرز والذرة والقمح، أو في مجال صيد الأسماك، فهناك حراك وتطورات مثيرة مثل تلك التي تحدث في جنوب إفريقيا ونيجيريا وإثيوبيا وتنزانيا، وغيرها.

 

كذلك يجب أن تكون منطقة التجارة الحرة الإفريقية (AfCFTA) محور تركيز خاص على طاولة التعاون الإفريقي الألماني. كما أنه يصعب تطوير إمكاناته الكاملة إلا إذا لم يقتصر الأمر على تخفيض التعريفات الجمركية والبيروقراطية الجمركية، وإنما يجب أيضًا توسيع البنية التحتية فيما بين البلدان الإفريقية، الأمر الذي يخلق بدَوْره فرصًا جديدة للشركات الألمانية. 

 

وبالنظر إلى وضع ألمانيا داخل الاتحاد الأوروبي، فهي تُعدّ بالفعل ثاني أكبر مُصدِّر وثالث أكبر مستورد للسلع والخدمات إلى ومن منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية. وإذا تم تحقيق ذلك بالكامل على مستوى متعدد الأطراف بفضل إزالة الحواجز غير الجمركية أمام دول ثالثة، وفقًا للسيناريوهات المتفائلة، سيكون هناك نمو ملحوظ في معدلات الصادرات الألمانية قد يصل إلى 30 بالمائة.

 

دعم الحكومة الفيدرالية:

بعد أن تعطلت قنوات العرض والطلب العالمية، بشدة، بسبب جائحة كورونا، شكَّلت الحرب الروسية على أوكرانيا وزيادة أسعار الفائدة الرئيسة مِن قِبَل بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي والبنك المركزي الأوروبي تحديات كبيرة أمام الاقتصاد العالمي.

 

وقد أعلنت الشركات الألمانية، بصورة متزايدة، أن أعمالها الدولية تتسم حاليًّا بحالة من الضبابية. ولذلك يعملون على الوصول إلى سلاسل توريد أكثر مرونة، وفتح أسواق شراء ومبيعات متنوعة.

وفي ضوء التحولات الاستراتيجية الحالية في مجال الطاقة والاعتبارات الجيوسياسية، تلعب البلدان الإفريقية الشريكة دورًا مركزيًّا بالنسبة لألمانيا، وهو دور لا يقتصر فقط على القضايا المتعلقة بالهجرة، وإنما يتعلق أيضًا بأمن المواد الخام والأهداف المناخية المشتركة، الأمر الذي يفرض تكثيف فرص وعروض التعاون الجذابة. كما يجب أيضًا دعم جهود الحكومات الإفريقية لتحقيق المزيد من القيمة المحلية، وتوفير فرص العمل لسكانها الشباب.

 

لذلك تسعى العديد من الوزارات الألمانية جاهدة إلى التعاون مع البلدان الإفريقية، وتطوير آفاق التعاون المشترك، بشكل أكبر. وكذلك، سيكون من المناسب أن يحدث كل هذا تحت مظلة الاستراتيجية الشاملة التي تتبناها الحكومة الفيدرالية في إفريقيا. ولا ينبغي تحديد أولويات هذه الاستراتيجية بمشاركة مجموعات أصحاب المصلحة في ألمانيا، فحسب. ومن المهم أن يُؤخَذ في الاعتبار "التوجُّه الشريك" الذي يتم التأكيد عليه، بشكل متكرر. وإذا تم دعم هذا النهج، بصفة مستمرة، سوف يبرز توسيع التجارة والاستثمار باعتباره المحور الرئيس للعلاقات الإفريقية الألمانية. كما ينبغي توجيه الأدوات المختلفة لتعزيز التجارة الخارجية الألمانية والتعاون الإنمائي باستمرار نحو هذه الغاية.

 

التعاون بين الإدارات:

وبالنسبة للاقتصاد الألماني، يُعد التزام العديد من الوزارات الفيدرالية تجاه القارة الإفريقية بمثابة إشارة ذات دلالات إيجابية. هذا فضلًا عن تعزيز التجارة الخارجية للوزارة الاتحادية للشؤون الاقتصادية وحماية المناخ (BMWK) والتعاون التنموي للوزارة الاتحادية للتعاون الاقتصادي والتنمية (BMZ)، والوزارة الاتحادية للأغذية والزراعة (BMEL)، والحكومة الاتحادية. كما تشارك وزارة التعليم والبحث العلمي (BMBF) والوزارة الاتحادية في مجالات التعاون البيئي والحفاظ على الطبيعة والسلامة النووية وحماية المستهلك (BMUV) ووزارة الخارجية (AA) في إقامة شراكات ذات صلة بالاقتصاد الألماني، كما هو الحال في مشروعات التنمية المستدامة التي يَجْري تدشينها داخل البلدان الإفريقية.

 

وفي هذا السياق، يجري إيلاء اهتمام خاص للتدريب المهني داخل الأسواق الإفريقية، وكذلك لمسألة تأمين العمالة الماهرة، وتحديث تقنيات الزراعة الإفريقية، فضلًا عن شراكات الطاقة ومبادرات حماية المناخ. وبخلاف ذلك، ترى الشركات الألمانية أن التعاون والتنسيق القوي بين الإدارات ذو أهمية حثيثة بالنظر إلى التقلص الحالي في العديد من الوزارات الفيدرالية، خاصةً أنه لا يمكن المضي قدمًا في أيٍّ من هذه القضايا بمعزل عن بعضها البعض.

 

فعلى سبيل المثال، من الممكن أن تساهم شراكات الطاقة، بشكل كبير، في تعزيز إمدادات الطاقة في البلدان الإفريقية، وكذلك في تخفيف الاختناقات والضغوط في ألمانيا. ويستحق المشروع الضخم لإنتاج الهيدروجين الأخضر في ناميبيا اهتمامًا خاصًّا. كما أن التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية لهذا المشروع ستكون هائلة بالنسبة لهذا البلد الكبير جغرافيًّا، والصغير نوعًا ما؛ نظرًا لتعداده السكاني البالغ حوالي 2.5 مليون نسمة. فهناك حاجة ماسّة إلى العديد من المتخصصين المُدَرّبين. وبالنسبة للعديد من المراقبين، فإن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا المشروع، بصفة خاصة، هو ما إذا كان التحول البيئي الذي تسعى إليه الحكومة الفيدرالية سيكون قادرًا على تحقيق ربحية مُجزية لجميع المشاركين.. فلا يزال الوقت مبكرًا لإجراء تقييم نهائي بشأن جدوى المشروع الإجمالية.

 

تعاون مثمر مع الشركاء الأفارقة:

وحتى ينجح التعاون المثمر مع الشركاء الأفارقة؛ لا بد من امتلاك القدرة على تمكين التبادل المستمر والوثيق بين الجهات الفاعلة السياسية والاقتصادية ذات الصلة، من خلال عقد اجتماعات القمة رفيعة المستوى وتبادل الزيارات الرسمية التي تشارك فيها وفود الأعمال التي تشمل الشركات الصغيرة والمتوسطة، فضلًا عن الشركات الكبيرة.

 

ومن أجل إظهار التزام اقتصادي طويل الأمد لاحقًا، يجب تكييف أدوات التمويل التابعة للحكومة الفيدرالية مع احتياجات الشركات الألمانية المهتمة بتمويل الصادرات -بما في ذلك الشركات الصغيرة- أو في الاستثمارات المحلية، علاوةً على إبداء المزيد من المرونة. ولا بد من وضع شروط ذات أفضلية فيما يتعلق بالخصومات في حالة وقوع أضرار أو خسائر، فضلًا عن تضمين آليات لتخفيف المخاطر، والعمل على توفير حوافز أكثر جاذبية للشركات الألمانية، خاصةً في ضوء التأثير المشوّه الذي يُخلّفه مقدمو التكنولوجيا الآخرون على المنافسة.

 

ونظرًا للاهتمام الكبير الذي توليه الشركات الألمانية لأسواق الشراء والمبيعات المتنوعة؛ فإن ظروف الإطار السياسي والاقتصادي المواتية تُمثِّل شرطًا أساسيًّا بالغ الأهمية من شأنه أن يُسهم في خلق مزيد من المشاركة الاقتصادية أمام الشركات الألمانية في الأسواق الإفريقية.

---

ترجمة وتقديم: شيرين ماهر