علاقات الجزائر مع مالي على محكّ "حسن الجوار" (تقرير)

اثنين, 01/08/2024 - 13:36
الإمام محمود ديكو، رجل دين يوصف بصانع الرؤساء في مالي

قبل أيام من نهاية العام 2023، شهدت العلاقات بين الجزائر وجارتها الجنوبية مالي "هزة" غير مسبوقة، عقب استقبال الجزائر ممثلين عن حركات الطوارق المناوئين للسلطات في باماكو، وذلك في إطار مهمتها كوسيط بين الجانبين.

 

وظلت العلاقات بين الجزائر ومالي توصف بـ"الجيدة" وتتسم بـ "حسن الجوار"، من قبل مسؤولي البلدين منذ عقود، حتى أن هناك من السياسيين في باماكو من يصفها بالشقيقة الكبرى، كما كانت ترجمة ذلك في الواقع من خلال زيارات متبادلة على أعلى مستوى ومساعدات جزائرية متنوعة لجارتها الجنوبية فضلا عن لعبها دور وساطة عدة مرات بين سلطات باماكو وطوارق الشمال.

 

شرارة الأزمة الدبلوماسية بين البلدين اندلعت في 22 ديسمبر الماضي، عندما استدعت مالي سفير الجزائر لديها للتشاور، احتجاجًا على ما وصفته تدخلا في الشأن الداخلي المالي، وما كان من الجزائر إلا أن ردّت بالمثل في غضون ساعات، في تطور لم يسبق أن بلغته العلاقات بين الدولتين منذ استقلالهما.

 

** أزمة غير مسبوقة

"التدخل في الشأن الداخلي" الذي اعترضت عليه مالي، تمثل باستقبال الجزائر لقادة وممثلين عن حركات الطوارق التي تمردت سابقا على نظام باماكو، وذلك في إطار دورها كدولة تقود لجنة المتابعة لتنفيذ بنود اتفاق السلام الموقع بين الطرفين عام 2015، ويسمى "اتفاق الجزائر".

 

حيث استقبل الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، الإمام محمود ديكو، وهو رجل دين يوصف بصانع الرؤساء في مالي، ومعروف بانتقاده الدائم للمرحلة الانتقالية بقيادة الجيش.

 

خارجية مالي وصفت هذه اللقاءات بأنها "اجتماعات متكررة تعقد في الجزائر دون أدنى علم لدى السلطات المالية، مع أشخاص معروفين بعدائهم للحكومة المالية من جهة، ومن جهة أخرى مع بعض الحركات الموقعة على اتفاق 2015، التي اختارت المعسكر الإرهابي"، على حد وصفها.

 

وكان التحرك الجزائري قد جاء إثر نشوب مواجهات شمال مالي قبل عدة أسابيع، بين هذه الجماعات المسلحة والجيش النظامي في شمال البلاد، وخرق اتفاق وقف إطلاق النار لأول مرة منذ توقيعه، ما دفع قوات حركات الأزواد لمغادرة عاصمة الشمال كيدال.

 

الخارجية الجزائرية قالت في بيان لدى استدعائها سفير مالي، إن الوزير أحمد عطاف "أكد أن المساهمات التاريخية للجزائر في تعزيز السلم والأمن في مالي، كانت مبنية على تمسك الجزائر بسيادة مالي".

 

** محاولة إنقاذ اتفاق السلام

كان هذا المنعرج في العلاقات بين البلدين مفاجئا، حيث شهد محور الجزائر باماكو مطلع عام 2023، حراكا كثيفا لتحصين اتفاق السلام من الانهيار، والذي يعرف باتفاق الجزائر للسلام لسنة 2015.

 

وفي الفترة بين ديسمبر 2022، ويناير 2023، تبادل مسؤولون من البلدين زيارات ورسائل عديدة، كان محورها "جهود إحلال السلم والمصالحة في مالي".

 

والخطوة التي حركت هذه الزيارات، هي رسالة تلقاها وزير الخارجية الجزائري السابق رمطان لعمامرة، مطلع ديسمبر 2022، من تنسيقية حركات الأزواد التي تضم التنظيمات المتمردة شمالي مالي.

 

ومضمون الرسالة هو الدعوة إلى اجتماع طارئ مع كل الوسطاء الدوليين في مكان محايد، لبحث قضية اتفاق السلام.

 

ودعت الجزائر إلى اجتماع للوسطاء الدوليين بتاريخ 16 ديسمبر الماضي، توّج ببيان يؤكد ضرورة "الشروع في تقييم واضح للوضع الحالي، لتنفيذ اتفاق السلام".

 

كما دعا البيان الوسطاء الدوليين، الأطراف الموقعة على الاتفاق إلى "بذل الجهود اللازمة، لتهيئة جو من الثقة والاحترام المتبادل، وإبداء التزامهم القوي بشكل عاجل لتحقيق الأهداف المذكورة في الاتفاق".

 

وفي 10 يناير 2022، زار لعمامرة باماكو، و"أجرى لقاءات ثنائية متعددة الأطراف، والتقى مع رئيس مالي خلال الفترة الانتقالية العقيد أسيمي غويتا، وأبلغه مضمون رسالة شفوية من الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، بحسب بيان للخارجية الجزائرية.

 

وهذه الرسالة، وفق البيان، "تندرج في إطار السعي المتواصل لتعزيز علاقات الأخوة والتعاون بين البلدين الشقيقين، وتسريع وتيرة تنفيذ اتفاق السلم والمصالحة المنبثق عن مسار الجزائر، لما له من أهمية قصوى في الحفاظ على وحدة وسيادة واستقرار جمهورية مالي والمنطقة برمّتها".

 

كما عقد لعمامرة، خلال الزيارة، اجتماعا في مقر سفارة بلاده لمجموعة الوساطة الدولية حول مالي، وهي تضم ممثلين عن دول الجوار والأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي، وهي الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا وروسيا والصين.

 

**موقف غريب من باماكو

في السياق، قال الخبير الأمني والاستراتيجي حسان قاسمي، إن "الأزمة بين الجزائر ومالي، هي في الحقيقة نتائج جانبية لبعض ما يجري في دول الساحل، نظرا للتطورات الأمنية المسجلة في هذا الفضاء الذي يتميز بعدم الاستقرار".

 

قاسمي الذي شغل سابقا منصب مدير الهجرة بوزارة الداخلية، قال للأناضول، "لاحظنا مؤخرا نوعا من التشنج في العلاقات بين البلدين، لذلك وجب التذكير بوجود اتفاق السلام 2015، الذي وقعت عليه عدة أطراف".

 

وأكد أن "الانقلاب العسكري الأخير في مالي، كان له تداعيات كثيرة، منها طلب السلطات العسكرية الانتقالية خروج القوات الأجنبية".

 

وأشار إلى "أن خروج فرنسا من مالي كان نتيجة التحولات العنيفة التي شهدتها الدولة، ما أحدث فراغا، يضاف إلى ذلك الطلب من البعثة الأممية لحفظ السلام "مينوسما"، مغادرة البلاد".

 

وأدى هذا الوضع، وفق قاسمي، إلى صراع مباشر بين قوات الأزواد، والقوات المالية المدعومة من ميليشات فاغنر (الروسية)، ما أدى إلى تطور الصراع بشكل خطير"، في إشارة إلى أن جيش مالي النظامي زحف على مدينة كيدال بمساعدة "فاغنر".

 

وأضاف أن "السلطات الانتقالية في باماكو، انخرطت في محاولات فرض حلول سياسية بالقوة شمال البلاد، بدعم من ميليشيات فاغنر، ما أدى لانسحاب قوات الحركات الأزوادية من مدينة كيدال".

 

ولفت إلى أن هذا الوضع "دفع بعض الفصائل المتمردة من الحركات الأزوادية للتحالف مع بعض الجماعات المسلحة.

 

ومنذ سنوات تدفع الجزائر بعشرات الآلاف من عناصر الجيش نحو حدودها الجنوبية وخصوصا مالي والنيجر، والشرقية مع ليبيا بسبب الوضع الأمني غير المستقر بهذه الدول، وتصاعد ما تقول السلطات إنه نشاط جماعات إرهابية مسلحة، على غرار ما يسمى بتنظيم القاعدة ببلاد المغرب الاسلامي وحركات أخرى تنشط في تهريب السلاح والمخدرات عبر الحدود.

 

وقال إن "الأمر الغريب أن الأزواد كانت موجودة في الاجتماع، بما فيها سلطات دينية معروفة، ولكن السلطات الانتقالية في باماكو غابت عن اللقاء".

 

وأضاف "سلطات باماكو كان موقفها غريبا من اجتماع الجزائر، الذي حضرته حركات أزوادية، والمفروض أنها كانت يجب أن تحضره".

 

ووفق قاسمي، فإن "باماكو وبدلا من حضور اللقاء، انخرطت في مسار انتقاد الجزائر عقب لقائها بممثلي حركات أزوادية"

 

وأضاف قاسمي أن "كل هذه الادعاءات لا أساس لها من الصحة، لأن السلطات الجزائرية برمجت اجتماعا في العاصمة، ووجهت الدعوة لكل الأطراف".

 

**إنهاء العمل باتفاق الجزائر

بدوره، قال المحلل السياسي توفيق بوقاعدة، إن خطاب رئيس المرحلة الانتقالية في مالي العقيد اسيمي غويتا، يعتبر إعلانا لانتهاء اتفاق الجزائر، بعد أن كان الإنهاء العملي للاتفاق شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، عقب زحف الجيش المالي بدعم من مجموعة فاغنر، إلى مدينة كيدال، معقل الإطار الموحد لحركات الأزواد المعارضة".

 

وأوضح بوقاعدة لوكالة الأناضول، أن "قرار الرئيس الانتقالي دليل رفضه أي وساطة دولية سواء السابقة أو اللاحقة".

 

وأكد أن "هذا القرار ليس بالمفاجئ، فقد مهدت له مالي بتصريحات سابقة، تفيد أن الواقع الجديد في مالي تجاوز ظروف توقيع اتفاق الجزائر، وأن السلطة عازمة على اخضاع كل مناطق البلاد تحت سلطتها المركزية".

 

وأشار إلى أن "هذا التحول يستند إلى ما أفرزته العملية الانقلابية الأخيرة وطردها للوجود الفرنسي، وإلغاء كل الاتفاقيات الموقعة معه، وهو ما أكسبها شرعية شعبية تتكئ عليها في قراراتها اللاحقة".

 

وأضاف أن "مالي ترى في نفسها قوة قادرة على فرض الأمر الواقع، بعيدا عن أي ضغوطات دولية أو اقليمية، وقد عملت السلطة الانتقالية على إنهاء أي اتصال دبلوماسي مع الراعي الأول لهذا الاتفاق، من خلال سحب سفيرها من الجزائر".

 

وخلص المحلل بوقاعدة إلى أن "باماكو تكون بعد كل هذا، قد تنصلت من كل التزاماتها التعاقدية مع حركات الشمال، ولأمم المتحدة وبعثتها التي انسحبت بطلب منها".