عن الوهابية في السنغال ..أنصفوا إخوانَكمْ!

أربعاء, 09/18/2019 - 12:51

لستُ هنا للدفاع عن «الوهّابيين» السنغاليين، وليس قصدي شنَّ غارة على فئة ناطحةٍ أو شاطحةٍ، وإنما أدعُو إِخواني المتصوّفين إلى ضبط النفس والتّحلِّي بالحلم والأناة، وإلى إنصافِ المخالِفين والكفِّ عن تهويل أمرهم وتأليب الحكومةِ عليهم؛ فإنهم -وإن بغوا علينا بالطعن في عقيدتنا الأشعرية، وتبديع منهجنا السلوكيّ الصوفي، والسَّعي إلى نشر مَا هو مُخالفٌ لما عليه السواد الأعظم- فهم إخوانُنا في الطين والدين، وليس كل أولئك – في نظري – مسوّغًا لاتّهامهم بالإرهابِ، واستعداءِ الحكومةِ عليهم، كما أنهم لم يستعينوا بنشر مذهبهم إلَّا بما يفتتحونه من مدارسَ وكلياتٍ ومساجدَ، وبخُطبٍ ومحاضراتٍ يخاطبون فيها الناسَ باللغة المحلية الولفية التي يفهمونها، إلى خدماتٍ اجتماعيةٍ يقدمونها للناسِ بين الفينة والأخرَى، وهل في ذلك من بأس!!

إن مِمَّا لا يُعقَل أن تنتشر المدارس الفرنسية في مشارق السنغال ومغاربها، والمنظّمات العلمانية والماسونية والحقوقية التي تقف للإسلام بالمرصادِ، وأن نرى الحكومة السنغالية تسدي وتلحم في محاربة التعليم الإسلامي العربيّ، وتسرج وتلجم في القضاء على الكتاتيب القرآنية التي حفظ لها التاريخ صمودها وثباتَها، وظلّت على تعاقب العصور مآرزَ الإيمان، ومعاقل للثقافة الإسلامية، وأن تُنفق أموالًا طائلة في دعم اللهو بأصنافه، ثمَّ نتغاضى عن ذلكَ ونكفّ عن التنديد بهِ رغبةً أو رهبةً، ثُمَّ نُقيم الدنيا ولا نقعدها من أجل قطعة أرضية وهبتْها الحكومةُ لمواطنين «وهَّابيين»، يريدون أن يبنُوا بها جامعة إسلامية، وصرحاً علميًّا يأوي إليه الطلّابُ الذين لم يحالفهم الحظ في شد الرِّحال إلى جامعات الدول العربية!

إنَّنا أسرفنا – وربِّي - في ذم هذه الفرقةِ وبالغنا في شيطنتهم، وهوَّلْنَا أمرهم، وساندنا من حيث لا نشعر الحُكومةَ السنغالية في مشروع محاربتها للإرهاب الْمُخْتَلَقِ المزعومِ، الذي تَستغفْل به الشعبَ المسكين، وتسترضي به سادتَها الغربيّين، كما شَغل هذا النقاشُ العقيم غيرُ المجدي كِلْتَا الطائفتين عن التفكر في القضايا التي تقض مضاجع السنغاليين، وألهى إِخْوَاني المتصوفةَ خاصةً عن التَّصدِّي للتحديات التي تواجهُ الطرق الصوفية المباركةَ؛ فإنها إلى الحصانة الفكريّة وإعادة ترتيب البيت الداخلي والقضاءِ على التعصب السائد بين أتباعها أَحوج منها إلى محاربة الوهابيين؛ فهم – وإن تخالفنا- فما من شك أنهم لمْ يخلعوا ربقة الإسلام من أعناقهم، لكن بين ظهرانينا – نحن الصوفيةَ – جماعاتٌ ليس لهم مِن الإسلام إلا اسمه، ولا من الإيمان إلا رسمه!

 إذا كانَ القصدُ سليمًا وخالصًا، والغايةُ منَ مقارعة الوهابيين هيَ الدفاع عن ثوابتنا الدينية أي العقيدة الأشعرية والفقه المالكي والتصوف الجنيدي - فلم هذا التقارب بيننا وبين الشيعة، فلِمَ لَمْ نستعْدِ الحكومةَ على المدارس وجامعة «المصطفى» الشيعيّة، أو على الحملات التنصيريةِ، أم أن هناك رَهْطًا انتهجُوا منهج التأليبِ، وآثروا الخرق والفتق، بدل التقريب بين المدرستين، إما لمصالح شخصية، أو لقلّةِ علمٍ وحكمةٍ ووعيٍ ونضجٍ!

إنه ليس من الإنصاف ولا من النّباهة أن تُقصِّر الطُّرق في بناء جامعاتٍ ودعمِ مدارسهَا العربية وكتاتيبها القرآنيّة – وما أحوجها إليه -، وتنفق الأموال الطائلة في مهرجاناتٍ ومواسمَ ليس فيها كثير نفعٍ، ثمَّ يَرفضُ بعضٌ من شيوخها وأتباعها أن يبني الوهابيُّون جامعةً، بل أليس من الطريف المبْكي أن تُوجد كلية شيعية، وأخرى وهابية، ولا توجد جامعةٌ عربيّةٌ صُوفيّةٌ واحدةٌ ذاتُ تخصّصاتٍ متعددةٍ يستطيع فيها الطلبةُ مواصلة دراساتهم العُليا دون أن يكونوا ضحايَا لمذاهبَ فكْريّةٍ، أوْ لتياراتٍ شرقيّة أو غربيّةٍ!

إنَّ الحاجة والحكمة تقتضيانِ أن نواجههم بنفس العُدَّةِ والأسلحةِ: أن ندعم مدارسنا العربية، وكتاتيبنا القرآنية، وأن نُفَعِّلَ مساجدنَا ومنابرَنَا، وكذلك أن نُعنى ببناء جامعاتٍ وكلياتٍ في مختلف التخصصات، ليستغني بها الطالب المتصوّف عن اللجوء إلى كلية قد تكون سبباً في انسلاخه من التصوف ومعاداة أهله! وهذا بلا شكٍّ مَا تنَبَّهَ له الشيخان الجليلان: الخليفةُ الرّاشد المحفوظُ الموفَّق سيدي الشيخ محمد المنتقى امباكي الذي دعَا إلى العناية بالعلمِ، وَتأسيس مَدارس وجامعةٍ تُنافس الجامعات العالميّة العريقة، وتجعل «طوبى» كعبةً علميّةً تُضرب إليها آباط الإبل من أقاصي البلاد! وكذلك المجاهد ابن المجاهد سيدي الشيخ مام مور امباكي مرتضى الذي استطاعَ بقوةِ عزمه أن يفتتحَ قبل أشهرٍ كُليةَ العلوم الدينية والإنسانية والحضارات، وهذا الضرب من التصدي والمواجهة عَينُ الحكمةِ والصوابِ، إلى ما فيه من حصانةٍ فكرية لا تُزعزعها الصَّبا ولا الدَّبور!

وأخيرا أقول وأكرر أن المواجهةَ المثلى مع الفرقة الوهابية ليستْ «بالاِفتراءِ عليهم، واستِعداء الحكومة عليهم، إنما هي بالحكمة والحُجّة والبرهان، أي: مسجدًا بمسجدٍ، خطيبًا بخطيبٍ، روضةَ أطفالٍ بروضةٍ، مدرسةً بمدرسةٍ، كُلّيةً بكليةٍ، مُستشفًى بمُستشفًى، مِنحةً دراسيّةً بمنحةٍ، والعاقبةُ للمُتّقين!!!»

 

أبو مدين شعيب تياو الأزهري الطوبوي

07 ذو القعدة 1439هـ//21 يوليو 2019